الجمعة، 23 مارس 2012

"لا يشكر الله من لا يشكر الناس"

ملاحظة : أسم أبن معتوق أسم أفتراضي وليس هو الأسم الصحيح لذلك الرجل الذي في القصة .

"لا يشكر الله من لا يشكر الناس"
رافعيات الجمعة


"الصدق , الصبر , الغيرة , الكرم , الأنس " لكل شخص عرفته في حياتي صفه من تلك الصفات أو أكثر ,, ولكنها كانت جميعها تجتمع لدى صديقي العزيز عدنان .
عدنان الذي من النادر جداُ أن تشاهده مكتئب أو متضايق من أمر ما ,, وهذا ما حدث ورأيته للأسف قبل أسبوع من اليوم ,, وعندما أخبرته بأنني ألاحظ بأنه يخفي بعض الغضب بداخله ,, كان جوابه :
عدنان : صحيح يا عقيل أنا متضايق من موقف صار اليوم في البر .
عقيل : عسى ما شر يا عدنان وش صار ؟؟
عدنان : رحت مع أخوي عيسى نتمشى في البر ,, وشفنا واحد سيارته مغرزه ومو قادر يطلعها ,, والمشكله كان معاه أهله ,, رحنا عنده وحاولنا نساعده ,, وبعد جهد ومشقة قدرنا نطلع سيارته من الغراز ,, تصدق يا عقيل أنه عطانا الحبل ومشى بدون ما يقول ولا كلمة ؟؟
عقيل : طيب ؟؟ وين المشكلة ؟؟ وش تبيه يقول لك ؟؟
عدنان : أممممم ,, شكلك ما عرفت للحين أيش اللي قهرني ,, أسمع هذي القصة وبعدين راح تعرف اللي أبي أوصل له ؟؟
عقيل : تفضل يا عدنان ,, كلي أذان صاغية .

في الخمسينيات الميلادية تقريباُ ,, كان فيه شخص أسمه أبو خلف مسافر براُ من العراق قاصداُ سوريا ,, وكان يرافقه في رحلته أبناءه خلف وخليف ,, وكانوا يقطعون تلك الرمال والمسافة البعيدة بواسطة ناقتين "الناقة أنثى الجمل"

خلال سير الرحلة وفي وسط تلك النفود وبالتحديد في منطقة "الرطبه" شاهد أبناءه خلف وخليف شخصاُ يزحف في تلك الرمال رافعاُ لهم يديه ,, أخبر الأبناء والدهم بشأن ذلك الرجل ,, وبعدما رأى والدهم ذلك الرجل توجه نحوه
بعدما وصلوا إليه وجدوه متعباُ ومنهكاُ وكأنه لم يأكل ولم يشرب منذ أيام .

قام أبو خلف بإعطاء ذلك الرجل الهالك بعض الماء شيئاُ فشيئاُ ,, وبعد دقائق تحدث الرجل وقال لهم :
الرجل : داخل على الله ثم عليك أنك تساعدني .
أبو خلف : أبشر باللي أقدر عليه ,, عسى ما شر ياخوي ؟؟
الرجل : أنا أسمي ابن معتوق ,, وكنت راجع من العراق للسعودية ,, تعطلت سيارتي بين الحدود العراقية السعودية والظاهر أن راديتر الماء أنشق وخلص كل الماء اللي في السيارة ,, المشكلة أن الماء اللي معانا خلص ,, وأنا تركت أهلي بدون ماء وبدون أكل ,, والمصيبة معانا بنت توها رضيع وما كلمت شهرين ,, تكفون روحوا لزوجتي وعيالي وساعدوهم قبل لا يذبحهم الضما .
أبو خلف : والله والنعم فيك يابن معتوق ,, ولكن المعذرة يا خوك حنا متوجهين يم سوريا وصعب أننا نغير طريقنا خصوصاُ أن الماء اللي معانا محدود .
أبن معتوق : افاااا يا الأجودي تبي تتركني هنا بدون ما تساعدني ولا تساعد أهلي .
أبو خلف : يا حيف عليك ,, بإذن الله ما راح أخليك هنا ,, وراح أسوي اللي أقدر عليه .
أبن معتوق : وش تبي تسوي يابو خلف؟؟
أبو خلف : أنا بعطيك ناقة وراح نتناصف الماء بيننا وبينك "أي نتشارك ونتقاسم الماء" ,, أرجع بالناقة لعيالك وأمهم وألحق عليهم لا يذبحهم الضما
أبن معتوق : شكلك تمزح يا أبو خلف ,, كيف تعطيني ناقة وتخليني أقاسمك بالماء وأنت معاك عيالك وقدامك مشوار طويل لسوريا ؟؟
أبو خلف : أبدد ما أمزح معاك يابن معتوق ,, هذا الحل عندي واللي أقدر عليه.
أبن معتوق : طيب يا بو خلف كيف أرد لك ناقتك ؟؟
أبو خلف : إذا وصلت في أمان الله لعيالك ,, خلاص أترك الناقة وخلها تمشي لحالها ,, وهي تعرف طريقنا وراح تجينا بإذن الله .
أبن معتوق : طيب وين أنت ساكن يالأجودي ؟؟
أبو خلف : أنا بيتي في منطقة قريبه من طريف
أبن معتوق : الله يعطيك العافيه يا بو خلف ,, والله يطول بعمرك وعمر عيالك ,, وجميلك هذا ما راح أنساه ما دامني حي ,, يالله في أمان الله ,, ونشوفكم على خير

غادر بعدها أبن معتوق عائداُ مع الطريق الذي أتى منه لكي يلحق على زوجته وأبنائه قبل أن يقتلهم العطش ,, بينما أكمل أبو خلف وأبناءه طريقه بإتجاه سوريا .

في كل ليلة كان أبو خلف يرتقي أعالي الجبال ويصيح على ناقته التي مع أبن معتوق ,, والصيحة معروفه لدى أصحاب الأبل بأنها هي كود ورمز الألفة بين الناقة وصاحبها .

كان أبناءه خلف وخليف مندهشين من الذي يفعله والدهم في كل مساء وفوق رؤوس الجبال ,, ولكن تلك الدهشة زادت عندما شاهدوا تلك الناقة التي أخذها أبن معتوق عادت إليهم .
بعد وصول الناقة الثانية فرح أبو خلف وأبناءه كثيراُ بعودتها ,, لأنه علم بأن أبن معتوق وعائلته في أمان الآن ,, وأكملوا طريقهم باتجاه سوريا .

بعد عشرين عام تقريباُ ,, وفي بداية السبعينات وفي قرية خبر البردويل بأم معان القريبة من طريف وهي القرية التي كان يوجد فيها بيت أبو خلف طرق باب منزل أبو خلف شخص غريباُ عليهم ,, ولكن أبو خلف وأبناءه لم يكونوا غريبين على ذلك الزائر الغريب .
كان الطارق هو أبن معتوق ,, وبعد أن ذكرهم بنفسه استقبلوه بالأحضان وبالكثير من الحفاوة والسعادة ,, حتى أشعر بأنني وأنا أكتب هذه القصة بأن دموع أبن معتوق سقطت أثناء ذلك اللقاء المثير .
أخبرهم أبن معتوق بأنه يبحث عنهم منذ أسابيع مضت ,, وأنه أتى من منطقة عرعر لكي يرد جميل ما صنعوا معه قبل عشرين عام في وسط الصحراء .
أخبر أبن معتوق وهو الذي معروف بأنه من كبار التجار في شمال المملكة بأنه بعدما تعطلت فيهم السيارة قبل عشرين عام أتفق مع زوجته بأن فتاتهم الرضيعة ستكون من نصيب الشخص الذي سوف ينقذهم من الموت بعد الله ,, هذا في حال أن نجوا من العطش والجوع ,, وحدث ذلك الاتفاق بين أبن معتوق وزوجته قبل لقاءه بابو خلف.
ولذلك كان ابن معتوق في السنوات الأخيرة يرفض كل المتقدمين للزواج من أبنته وذلك لأنه عازم على تزويجها بعدما تكبر لأبو خلف ,, حتى أنه قام برفض أبناء الشيوخ وكبار التجار وغيرهم ممن تقدموا لابنته بسبب رغبته بإتمام العهد الذي قطعه على نفسه .

كان الرفض هو جواب أبو خلف ,, وأعتذر من أبن معتوق لأنه لا يفكر في الزواج ولا يريد ذلك الأمر بتاتاُ ألبته .

حاول أبن معتوق ثني أبو خلف عن قراره ولكن أبو خلف كان متشبثاُ جداُ بذلك القرار .

تضايق ابن معتوق كثيراُ ,, ثم أخبرهم بأنه وضع طريقه بديله في حال رفض أبو خلف للزواج من أبنته ,, وهي أن يعطيه مبلغ كبيراُ من المال كرداً على ذلك الصنيع .
أحضر من سيارته مبلغاُ كبيراُ من المال وقام بإعطائه لأبو خلف ,, والذي تمنع هذه المرة أيضاُ ورفض أخذ ذلك المال .
ضاق أبن معتوق ذراعاُ بسبب رفض أبو خلف لأبنته ولرفضه لماله ,, ثم قال لأبو خلف "علمني وش تبي وأنا بعطيك "
كان رد أبو خلف هو " أنا ما أبي منك شيء ,, أنا أبيها من الله في ألآخره "


انتهت القصة هنا

سألت صديقي عدنان عن مصداقية هذه القصة فأخبرني بأنها حدثت مع جده أبو خلف ,, ووالده خليف وعمه خلف شاهدان على تلك القصة .
وأثناء كتابتي لهذه القصة تحدثت مع خليف والد عدنان وأخبرني بتفاصيل القصة وهذا ما جعلني أعيد كتابتها بعدما وصلت لمنتصفها .

قال لي عدنان بعد سرد تلك القصة : عرفت الحين يا عقيل وش كنا نبي من الرجال اللي كان مغرز و ساعدته أنا وأخوي عيسى ؟؟
كان جوابي : أيوه عرفت يا عدنان ,, كنتوا تنتظرون كلمة شكراُ على الأقل من ذاك الشخص .
عدنان : أيوووه يا عقيل ,, أنا ما أبيه يحب رأسي ولا أبيه يعطيني فلوس ,, أبيه يقول لي شكراُ حتى لو كنت أنا وأخوي ساعدناه لوجه الله ,, ولكن لازم تعرف يا عقيل ولازم يعرف ويفهم الجميع قول النبي عليه الصلاة والسلام " لا يشكر الله من لا يشكر الناس"


في الختام هذا تفسير اقتبسته لشرح هذا الحديث :
قد روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد و أبو داود وابن حبان والطيالسي عن أبي هريرة مرفوعا: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. وهو حديث صحيح صححه الألباني .
ورواه أحمد أيضا من حديث الأشعث بن قيس مرفوعا بمثله، إلا أنه منقطع.
قال الخطابي رحمه الله : هذا يتأول على وجهين:
أحدهما: أن من كان طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له.
والوجه الآخر: أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم. اهـ
وهذا الحديث فيه ذم لمن لم يشكر الناس على إحسانهم، وفيه أيضا الحث على شكر الناس على إحسانهم.
وشكر الناس على إحسانهم يكون بالثناء عليهم، وبالكلمة الطيبة وبالدعاء لهم.

فقد روى الترمذي والنسائي وابن حبان عن أسامة بن زيد مرفوعا: من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد بالغ في الثناء. والحديث قال عنه الترمذي حديث حسن جيد غريب وصححه الألباني ، ويكون أيضا بالمكافأة.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أحمد والحاكم وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وقال الأرنؤوط إسناده صحيح ."



تقبلوا تحياتي 
واشوفكم الأسبوع القادم مع رافعيه جديدة بأذن الله

تقييمك للمدونة ؟؟