السبت، 5 يونيو 2010

(( زينه لم تعد كذلك ))

(( زينه لم تعد كذلك ))

ضمن سلسلة مواضيع رافعيات الجمعه




في أحد الهجر الواقعه في شمال مملكتنا , واثناء فترة الظهيرة , الفترة التي تصادف خروج الطلاب والطالبات من سجونهم اليوميه والمسماة بالمدارس , كان هنالك فتاتان في عمر الزهور , يسيرون ببطء حتى يتحدثن قدر المستطاع قبل الوصول لمنازل أسرهن .

كانت تلك الفترة وتلك الأحاديث أجمل ما يمر في أيامهن الكئيبه والممله , ففي تلك المناطق النائيه كل شيئ يبعث للملل , لا أماكن ترفيه , لا مسليات مثل الدش وقنواته المتعدده , لا وجود للشبكة العنكبوتيه كذلك , ناهيك عن عدم معرفتهن بالأجهزة المحموله بكافة أنواعها .

قطع موسى حديث شقيقته فاطمه وصديقتها زينه , وذلك بعد أن قام بالوقوف بقربهن عارضاً خدماته بأيصالهن لمنازلهن .

لم تتردد فاطمه وكذلك زينه والتي تحاول أخفاء أعجابها بشقيق صديقتها العزيزه فاطمه , وقاموا بالركوب معه في السيارة .

كان موسى يحاول أن يقطع تلك المسافة بأطول وقت ممكن , وكان كل طريق ليس مختصر ولا يؤدي الى منزل زينه هو طريقه المفضل .

بعد دقائق معدودة توقفت سيارة موسى أمام منزل زينه , شكرت زينه موسى على خدمته الشبه يوميه بأستحياء ظهر بصوتها الخفيف الذي بالكاد سمعه موسى , وودعت صديقتها فاطمه وأرتجلت عن سيارة موسى .

قبل دخولها للمنزل الذي تقطن فيه مع والدها بمفردهم بعد وفاة والدتها قبل ما يقارب الثلاثة أعوام , ورحيل شقيقها الأكبر محمد للعمل في أحدى المناطق الكبرى في المملكه , قبل دخولها الى داخل المنزل سمعت صوت رجل طاعن بالسن يناديها , التفت تجاه ذلك الصوت , وشاهدت رجل كبير في السن بنفس عمر والدها تقريباُ أن لم يكن أكبر , وبجانبه شاب بنفس عمر موسى تقريباُ أن لم يكن أصغر يجلس على المقعد بجانب الرجل الطاعن بالسن والذي على مايبدو هو والده .

أقترب منها ذلك الرجل العجوز , وسألها عن أذا ماكان هذا المنزل هو منزل عبدالرحمن أبو محمد والذي هو والدها , فأجابته بأن هذا منزله , وبأنها هي أبنته .

أبتسم الرجل العجوز وقال (( أنتي أكيد بنته زينه ,, ما شاء الله والله وكبرتي وصرتي عروس )) فأومت له بالأيجاب على أستحياء وسط ملامح باسمه من الرجل العجوز وأبنه الذي يحدق نظراته تجاه زينه وكأنه شخص جائع يرى أمامه صحن طعام شهي , وسط أرتباك وخوف من زينه من تلك النظرات الغريبه والتي لاتعرف الحياء .

أشار الرجل الطاعن بالسن الى زينه بأن تقوم بأخبار والدها بأن علوش بن صالح ينتظره بالخارج .
ذهبت زينه الى داخل المنزل بسرعه وأخبرت والدها بأن شخص يدعى علوش بن صالح ينتظره بالخارج رفقة ابنه , عبس والدها محياه وقال بصوت خفيف (( أعوووذ بالله ؟؟ هذا وش جابه بعد كل هالسنين ,, أكيد جاي يبي ياخذ دينه مني )) وأشار على أبنته زينه بأن تذهب الى الداخل وتصنع القهوة والشاي الخالي من السكر لهم .

في ذلك المنزل المشيد من الطين أسوة بجميع بيوت تلك الهجره , وفي مجلس الرجال تحديداً ,وبعد أخذ العلوم والأخبار , عقد في ذك المجلس أجتماع جمع علوش بن صالح واصغر أبنائه جريد مع عبدالرحمن المكنى بأبو محمد , وكان محتوى ذلك الحوار وعنوانه هو مطالبة علوش لأبو محمد بأن يعيد له دينه الذي أقترضه قبل سنوات والبالغ 120 الف ريال , وذلك لشراء أعداد من الماشيه كان ينوي ابو محمد المتاجرة بها ولكن تجارته فشلت وخسر تلك الأموال بكل سهوله .

أخبر ابو محمد صديقه القديم علوش بأنه في حال يرثى لها مادياًُ , وبأنه لن يستطيع جمع هذا المبلغ حتى ولو بعد عدة سنوات .
ضاق علوش ذراعاُ من صديقه عبدالرحمن وعدم أيفائه بأرجاع المبلغ له , رغم وعوده بأن يقوم بأرجاعه خلال أربع سنوات بعد أقتراضه لذلك المبلغ .


كان الصمت المطبق سمة ذلك الأجتماع , كان أبو عبدالرحمن ينظر للأرض خجلاً من صاحبه علوش , وكان علوش ينظر للأرض وهو يحاول كتم غضبه وأنفعاله على صديقه عبدالرحمن .

قطع صوت زينه صمتهم المرتبك, وتلك الأجواء المشحونه , تخبر والدها بأن الغداء أصبح جاهزاً لألتهامه .

قام أبو محمد بالترحيب بهم مجدداُ وطلب منهم بأن يقوموا لتناول وجبة الغداء , مخبراُ أياهم بأن هذا الغداء ليس من واجبهم وأنهم يستاهلون أكثر من تلك الدجاجتين اللواتي يتواجدن فوق جبال الأرز الشهيه التي أمامهم .

تناول علوش وأبنه جريد ذلك الغداء بكل عنفوان , وكأنهم يقومون بذلك بأغاظة الجوع الذي كان يعتصرهم وذلك لأنهم لم يتناولوا ما يسد الرمق من ساعات الصباح الأولى وقبل مغادرتهم للمنطقه الصحراوية التي يقيمان فيها , قاصدين هذه الهجره التي تبعد مئات الكيلومترات عنهم بحثاً عن 120 الف ريال دفعت قبل سنوات مضت .

بعد التهام جميع ما على ذلك الصحن من أرز ودجاج , قام علوش بالثناء على من أعد هذا الغداء اللذيذ , فأخبره عبدالرحمن بأن أبنته زينه هي من أعدت هذا الغداء , ومضيفاُ بأن أعدادها للطعام يذكرها بأعداد والدتها رحمة الله عليها للطعام سابقاً .

أثناء ذهاب علوش لغسل يده في فناء منزل عبدالرحمن رفقة أبنه جريد , خطرت في باله فكرة , سأضعكم في قالب تلك الفكرة بعد لحظات وفي الأسطر القادمه تحديداُ .

دار هذا الحوار بعد عودة علوش وأبنه من غسيل ايديهم في فناء المنزل , وكان الحديث بين علوش وعبدالرحمن وكان جريد بمثابة ضيف الشرف ذلك النهار :

علوش : والله أنا يابو محمد قاعد أفكر لك بحل يرضيك ويرضيني , وما يضايقك وما يخليك تمد يدك للناس عشان تسد دينك لي , أنا مستعد أسامحك عن الدين ولا بعد مستعد أزيدك 30 الف لو تبي , وأعتبرها هديه مني لك .
عبدالرحمن : تسامحني بالدين وتزديني فوقهم 30 الف هديه ؟؟ وش هالحل يابو صالح , يالله عساه خير .
علوش : والله يابو محمد أنا رجال طالب القرب منك , وأبي أخطب يد بنتك زينه , هاه وش قلت ؟

بعض علامات الدهشه كانت متواجده في محيا عبدالرحمن , وعلامات السعادة كانت متواجده في محيا جريد الذي أبتسم وعدل من جلسته , وعدل كذلك طريقة لبسه للشماغ ليصبح منظره أفضل من ذي قبل .

عبدالرحمن : تخطب بنتي زينه ؟؟ بس هي صغيره يابو صالح , وتوها بصف ثالث متوسط وعمرها ما تعدى الخمس طعش سنه , وولدك جريد بعد توه صغير وباين أنه ما خلص المدرسه بعد .

أطلق علوش ضحكته الضخمه والتي تعادل ضخامة جسمه وصوته الغليض وقال :
علوش : من قالك أن طير شلوى جريد يدرس ؟؟ جريد هذا مدير أعمالي وماله بالدراسه , أنا مخليه مشرف على العمال اللي جايبهم يشتغلون بحلالي , وبعدين جريد ما راح يتزوج الا من بنات عمه , وبنتك ماهي صغيره , جداتنا وأمهاتنا تزوجوا بعمر بنتك ايام أول .

علامات دهشة أكبر من السابقه تواجدت في محيا عبدالرحمن , وعلامات غضب وأستياء كانت متواجدة على محيا جريد , والذي ضاق ذراعاُ بكلام والده وبدء وكأنه كان يمني النفس بالأرتباط بالزينه زينه .
عبدالرحمن : ما تبي زينه لجريد ؟؟ أجل تبي تزوجها لمين من عيالك واللي على ما أظن كلهم متزوجين وعندهم عيال ؟؟

علوش وعلامات الثقه لا تفارق نبرة صوته : أنا وش فيني ؟؟ شايفني ما أصلح أكون زوج لبنتك الزينه زينه ؟؟ والله من شفتها عند الباب تهلي فينا وترحب وأنا أقول بخاطري حرام هالبنت المزيونه تروح لشاب ما يعرف قدرها .

جميع علامات الدهشه كانت متواجده تلك اللحظه على محيا عبدالرحمن وكذلك على محيا جريد , والذي أطلق ضحكه تنم عن أستغرابه لما تفوه به والده .


عبدالرحمن : أنت يابو صالح !!!!! زينه هذي كبر بنات عيالك ,, وتوها صغيره على الزواج , ومدري والله وش أقولك يابو صالح !
علوش (( وعلامات الغضب أرتسمت على محياه )) : لا تقولي ولا أقولك ,, أنا برجعلك يوم الأربعاء الجاي وأبي رد نهائي منك , يا تزوجني بنتك يوم الخميس الجاي , والا يا ترجع لي حقي بالطيب والا بالغصب .

وأشار على أبنه بأن يهم بمغادرة ذلك المنزل , عائدين الى ديارهم الصحراويه , وتاركين خلفهم أكبر حيرة وحزن عرفه تاريخ عبدالرحمن والد الزينه زينه .

لم يهدأ لأبو محمد بال ذلك المساء , لم يعد قادراُ على التفكير والتركيز , أحتار كثيراُ بين رأي معارض وبين رأي شبه مؤيد وموافق .

في النهايه أستطاع الرأي المؤيد قتل الرأي المعارض بسيف كان شعاره (( مصير ابنتك زينه في النهاية الزواج , أن لم يكن الان فمستقبلاً , وأنت قد تتوفى اليوم أو غداُ , من سيرعى أبنتك بعد وفاتك , أبنك محمد مشغول في صخب المدينه والسعي وراء كسب لقمة العيش وبناء المستقبل , قم بتزويج أبنتك للتاجر والمليونير علوش , وأستفد من مهرها بالزواج من أحدى نساء القرية حتى تحل محل أبنتك زينه وتقوم بالمطلوب منها وأكثر ))

في صباح اليوم التالي والموافق ليوم الأحد , وعندما كانت زينه تستعد للذهاب للمدرسة في غرفتها المتواضعه جداًُ جداُ جداُ , طرق والدها عليها الباب قبل دخوله لغرفتها , وبعد دخوله للغرفه والقاء التحيه عليها , طلب منها عدم الأستعداد للذهاب للمدرسة , لأنه لايوجد في قاموس حياتها مدرسة بعد اليوم , وأخبرها بأنه هنالك من قام بطلب يدها للزواج منها , وأن هذا هو مصيرها عاجلاُ أم أجلاً .

كانت تلك الكلمات بمثابة الصفعه المفاجئة على محيا زينه الجميل , والذي بدء مندهشاً لما تفوه بها والدها , وقالت بلكنة يشوبها التعجب (( مافيه مدرسه , وأنا أنخطبت , وأنت موافق , وش السالفه يا يبه , طيب مابي السالفه أبيك تعلمني كيف تبي تزوجني وأنا توي صغيره ؟؟ ))
عبدالرحمن : أنتي منتي صغيرة , أنا يوم تزوجت أمك الله يرحمها كانت بعمرك , وهذا مصيرك سوء الحين والا بعدين .
بدت زينه وكأنها بدأت تتقبل ذلك الأمر على مضض وقامت بسؤال والدها (( طيب من اللي خطبني يا يبه , ومتى موعد العرس ؟؟ ))

قال عبدالرحمن وهو ينظر للأرض رافعاً صوته في محاولة لأخفاء دمعاته التي تطل من نافذة عينيه والتي قد تقوم بفضحه أمام أبنته (( اللي خطبك هو الرجال اللي تغدا عندنا أمس ,, وموعد زواجك منه الخميس الجاي يعني بعد أربع أيام ))

في تلك اللحظه كأن جبلاًُ من الهم قد وقع على قلب زينه الصغير , تذكرت محيا ذلك الشاب الذي رأته بالأمس بجانب والده ويطيل بتحديق نظره اليها , وكأنه ذئب يريد أفتراسها , ثم قالت لوالدها (( تقصد جريد ولد علوش اللي جونا أمس يبون الدين حقهم منك ؟؟ ))

قال عبدالرحمن وهو ما يزال ينظر للأرض والألم يتربص به بعد سماعه لتوقع أبنته بأن زوج مستقبلها هو جريد , وكأنه قامت بجرحه بآله حاده بتفكيرها البرئ والطاهر (( لا ,, اللي يبي يتزوجك علوش مو ولده ,, جهزي حالك عشان أوديك للسوق اليوم تشترين كل أغراضك قبل يوم الأربعاء )) وخرج بعد ذلك من الغرفه على عجاله حتى لا يرى ردة فعل من أبنته قد يحيي رأيه المعارض والذي قتل مساء الأمس على سيف الرأي الجبان المؤيد .

سقطت الحقيبه المدرسية التي كانت بين يدي زينه بعد سماعها لكلمات والدها مخبراً أن زوجها وشاب أحلامها عفواً عجوز أحلامها هو صديقه الرجل الضخم المسن , أبت دموع زينه الا أن تقوم بالتضامن مع حقيبتها المدرسيه وسقطت على تلك الحقيبه قادمه من تلك العينين الجميليتن والتي تغير لونهما الأبيض الى اللون الأحمر , وأنخرطت زينه في نوبة بكاء حتى نال التعب منها مانال ونامت على الأرض بجوار فراشها بسنتي مترات وطريق الدموع جف على محياها البائس والبريئ والجميل .

في تلك الظهيرة أفاقت زينه على طرقات لباب منزلهم الخارجي , ذهبت تجاه ذلك الباب , وسألت عن هوية الطارق , فكان صوت صديقتها فاطمه كافياً لمعرفة هوية الطارق .

قامت بفتح الباب وأدخال صديقتها , والتي كانت تبتسم وتسألها بأستغراب عن سبب عدم مجيئها للمدرسة هذا اليوم , فا أخبرتها زينه بكافة ما حدث منذ الدقيقه التي تفارقت فيها مع فاطمه ظهيرة الأمس وحتى صباح اليوم .

كانت الدموع التي نزلت من عيني فاطمه , بمثابة اليد التي تربت على كتف الشخص الحزين , صمتت كثيراًُ , وتمنت لزينه التوفيق , وغادرت تلك الغرفه , وسط صوت نفحات من فاطمه تخللت بكائها , قبل أن تتحول تلك النفحات الى شهيق خارج أسوار منزل زينه .

الكل كل حزيناُ ذلك المساء , زينه , والدها , فاطمه , والد فاطمه ووالدتها , وحتى موسى شقيق فاطمه والعاشق المتيم بزينه , والذي قاطع الاكل والشراب ذلك المساء وذرف الكثير من الدموع فوق سطح منزلهم ذلك المساء بحضور القمر والذي كان يرى تلك الدمعات دون أن يعرف سبب هطولها .

مرت الأيام بسرعه على الجميع , وأتى يوم الأربعاء الأسود , وأتى علوش بن صالح ويده لا تخلو من حقيبه يوجد بداخلها مبلغ تجاوز ال30 الف ريال , وحقيبة أخرى فيها بعض الحلي وأسوار الذهب لزوجة المستقبل زينه .

أخبر علوش صديقه عبدالرحمن بأنه يتوقع موافقته على ارتباطه بأبنته زينه , لذلك أحضر المبلغ والذهب , لأنه لا يتوقع أن عبدالرحمن يبحث عن المشاكل والملاحقات القضائيه في المحاكم وكل ذلك في سبيل أرجاع الدين .

أومى له عبدالرحمن بالموافقه على طلبه , وأوصاه بأن يعامل أبنته بكل رفق وأن يكون حنوناُ معها وطيب القلب .
أبتسم علوش أبتسامه تعلن بأنه سيكون كذلك دون وصيات وغيرها .\

حضر الشيخ , وحضر أثنان من جيران عبدالرحمن كشهود على عقد النكاح , وكتب العقد وتمت الأمور بكل يسر وسهوله , بأنتظار حفل العشاء مساء الغد معلناًُ أن علوش زوج زينه رسمياً وعلى كتاب الله وسنة رسوله .

من كان يسمع اصوات العجائز وهن يرددن قصائد الزواج والأفراح داخل منزل عبدالرحمن قد يلحظ وجود حزن في نبرات تلك الأصوات , كانت الأجواء بداخل ذلك المنزل تبعث بالكآبه وكانت الوجوه كذلك , بدء من وجه جميع الحاضرات وحتى بطلة تلك المناسبة الا وهي العروس الزينه زينه , كل شي يبعث بالكآبه حتى وأنا أقوم بكتابة هذه الكلمات شعرت بتلك الكآبه حتى ولم أكن متواجداًُ تلك اللحظات .

نامت زينه ذلك المساء بجانب والدها الرجل المسن , عفواً زوجها الرجل المسن , أعذروني على أخطائي لأنني أصف لكم ما تراه مخيلتي , نامت زينه وكانت تشاهد في أحلامها فيلم تدور أحداثه على أن كل شيء حدث هذا المساء مجرد كذب وخزعبلات وأنها مازالت زينه الطالبه في الصف الثالث متوسط والأبنه الباره بوالدها الوحيد , والفتاه التي تعيش قصة أعجاب مع شقيق صديقتها فاطمه .

قطع صوت علوش تلك المشاهد التي كانت تحلم بها زينه , طالباُ أياها بأن تقوم بتوضيب أغراضها وذلك للأستعداد للرحيل الى الديار التي يعيش بها مع زوجاته الثلاث .

بعد فراغ علوش من اداء صلاة الفجر , قام تشغيل سيارته وأخذ أغراض زوجته زينه ووضعها في السيارة , معلناً بدء رحلة قد تمتد الى تسع ساعات على الطريق الصحراوي المؤدي الى الديار التي يقطن فيها أفراد عائلته .

جميع ما سبق لم يكن الا مجرد نقطه في بحر مصائب والآلام زينه , وسأضعكم على شؤاطي ذلك البحر في الأسطر القادمه


بعد ساعات متعبه ومضنيه وصلت زينه الى منزلها الجديد والذي هو عبارة عن خيمه بين مجموعة خيام أمتلئت بها هذه المنطقه الواقعه في منتصف الصحراء , لم تحزن زينه على واقعها الجديد المرير , لأنها كما أعتقد أصبحت لاتحمل مشاعر وأحاسيس مثل بقية البشر .

توافدت جميع نساء تلك المنطقه عليها من كل حدب وصوب , كان من ضمنهم (( ضراتها )) الثلاث زوجات علوش بن صالح .

أستهجنت جميع النساء أقدام علوش على الزواج من هذه الفتاة الصغيره , وكانوا يتحدثون معها وكأنهم يتحدثون مع طفله لم تتعدى سنواتها العشر .

سارت الحياه بكل حزن على تلك الفتاة والتي تعلمت وظيفتها الجديده وهي حلب الماعز, والخروج في بعض الأيام لساعات مع الماشيه .

أصبحت ترافق الماشيه , لدرجة أنها أحبت أحدى الأغنام الصغيره والتي تعرضت لكسر في ساقها , كانت تشفق على تلك الشاه الصغيره لأنها تذكرها بحالتها البائسه , وأستبدلت صداقة فاطمه بصداقة تلك الشاه والتي كانت نعم الصديقه والتي تحتفظ وتكتم جميع أسرار وهموم زينه في قلبها .
كانت تلك العلاقه بين زينه وتلك الشاه مصدر سعاده وضحك لعلوش , حتى قرر في أحد الأيام أن ينهي مسلسلة الكوميدي المفضل ويحوله الى مسلسل تراجيدي لزينه وذلك بنحر تلك الشاه وسلخها وجعلها مائدة طعام على سفرة زوجاته الأربع , ليس حقداُ على زينه أو كره , بل حتى لا تصبح تلك العلاقه مصدر سخريه من نساء القبيله على زوجته الجديده .

حزنت زينه للغايه على ما حدث لصديقتها الجديده , ودب التشائم في نفسها بعد مشاهدتها لعلوش وهو يقوم بنحر تلك الشاه الصغيره , وأضحت تتوجس خيفة من أن يكون نهايتها كنهاية تلك الشاه التي تقاسمها الظروف الصعبه .

كان مكتوب لزينه أن تحزن أكثر وأكثر من جميع مراحل الحزن التي مرت بها وبمراحل , وذلك بعد قيام جريد بالتحرش بها في أحد الأيام التي كانت تذهب لرعاية الأغنام بها , لم يكتفي جريد بالتحرش بزوجة والده لفظياً , بل تطور الأمر ليتحرش بها يدوياً , وسط أستغراب ومحاولات مضنيه من زينه لكف تلك التحرشات .

عادت زينه أدراجها الى المنطقه التي تعيش بها , ترافقها ماشيتها وكذلك دموعها المتكرره .

قررت عدم أخبار علوش بما حدث من أبنه جريد , حتى لا يتطور الأمر ويصبح كبيراُ ومن ثم يصعب التحكم به , ولكن هذا التصرف كان في قمة الغباء للأسف لأن تصرفها هذا كان أداه ضدها وليس معها .

في الأثناء التي كانت تشق بها طريق العودة الى خيمتها , شاهدت جريد وهو يقف أمام والده خارج الخيمه , ويتحدث بصوت عال , ووسط أنفعال شديد من والده .

كانت قلقه للغايه وخائفه من أن يكون جريد قام بتدبير مكيده لها , أقتربت من الخيمه , وشاهدت حجم الأنفعال على محيا علوش الغاضب , وكذلك شاهدت أبتسامه خبيثه من جريد الذي أطلقها اثناء وقوفه خلف والده.

توقفت مكانها وبدأت بالبكاء والنحيب دون سبب , سألها علوش بغضب عن سبب بكائها , فأخبرته بأنه لايوجد سبب , فقال لها (( فيه أحد يبكي من دون سبب ؟؟ ))
فأخبرته بأن هذه الدمعات قد خرجت لأنها أشتاقت لوالدها وأخيها محمد .

فكان رد علوش بمثابة الصفعه المفاجئه الثانيه على محياها البائس عندما قال علوش (( أشتقتي لأبوك وأخوك والا اشتقتي لولد جيرانكم اللي كان معاك قبل شوي وأنحاش لما شاف جريد جايكم ؟؟ ))
قالت ونبرت التعجب تتضح بصوتها (( أي أبن جارنا اللي شافه معاي جريد ؟؟ يبي يتبلاني وانا اللي ناويه أسكت عن تحرشه فيني قبل شوي ؟؟))

قال علوش بصوت عال (( أسكتي يا زانيه ,, تبين تتهمين ولدي أنه يتحرش في زوجة أبوه ؟؟ كل هذا ليش ؟؟ عشانه علمني بالصحيح وأنه شافك مع ولد جاركم اللي وصلك من المدرسه باليوم اللي خطبتك فيه من ابوك ,, أنتي من زمان وأنتي ضايعه ,, وأنا على نياتي تزوجتك واخرتها تدورين الحرام مع ولد جيرانكم اللي ما يستحي ))
بعد تلك الكلمات القاسيه زاد هطول دمعات زينه , وقالت في محاوله بائسه للفوز بطوق النجاة والصدق (( ابيك تحلف على كتاب الله أن اللي قلته صحيح ياجريد ))
قال جريد (( أنا مستعد أحلف , ولكن ما أبي أحلف بالله على سوالفك الدنيه يا دنيه ))
قالت زينه والغضب يكاد ينفجر في نبرة صوتها (( أنت كذاب , ويا ويلك من الله يا ظالم ))

لم يدعها علوش من أكمال توضيح غضبها وقهرها , وأنهال عليها ضرباًُ بيديه وقدميه وعقاله الذي كان فوق رأسه وأصبح موسوماُ على جلد زينه , ولكن بعث الله صيته الزوجه الثالثه لعلوش لتكون مناصرة لزينه , وقامت بمحاولة أيقاف ضرب علوش لزينه حتى نجحت بذلك , وقامت بأخذ زينه معها لخيمتها , وقامت بالتخفيف عن زينه ومحاولة علاج الكدمات التي رسمت على محيا زينه .

قضت زينه ما يقارب الأربعة أيام في خيمة صيته , وكونت صداقه عفواٌُ أخوه مع صيته والتي تعتبر أقرب زوجات علوش عمراُ لزينه , أذ أنها لا تكبرها سوى سبعة سنوات , بعكس زوجتيه الأولى والثانيه واللواتي لديهن أبناء أكبر من زينه ومن صيته عمراُ .

كان الخبر الأكثر سعاده حتى ذلك الوقت في حياة زينه هو قدوم شقيقها محمد ووالدها لزيارتها في تلك المنطقه الصحراويه .

سعدت زينه كثيراُ برؤية شقيقها محمد والذي لم تشاهده منذ سبعة شهور , وحزن محمد كثيراُ برؤية شقيقته الصغيره عندما رأها على تلك الحال والكدمات تخفي ملامحها الجميله .
سألها محمد عن مصدر تلك الكدمات , فكذبت عليه للمرة الأولى في حياتها وذلك بعدما أخبرته بأنها سقطت على بعض الصخور في جبل يقع بالقرب منهم , كذب محمد ما سمعته اذنيه , وصدق ما أخبرته عينيه بأنها تخفي خلف عينيها قصة أخرى غير القصه التي سمعها منها .
وقام بسؤالها أيضاُ عن أذ ما كانت سعيده مع زوجها , وعن أذا ماكان يعاملها جيداُ ؟
فأخبرته بأنه في قمة سعادتها , ولا ينقصها سوى رؤيتها له ولوالدها والأطمئنان عليهم وأنهم بصحه جيده .
في صباح اليوم التالي غادر محمد ووالده تلك المنطقه الصحراويه , ولم يغادره الشفقه على حال شقيقته المكلومه لحظة واحده .


مرت الأيام بشكل عادي على زينه التي أعتادت على حياتها الجديده , وذلك بعد ما قامت صيته بأصلاح العلاقه بين زينه وعلوش , ولكن لاح شيء جديد في افق زينه عفواُ في رحم زينه , جنين تحمله أحشاء زينه , بعد زواج تعدت أيامه الستين يوماًُ .
فرحت زينه أشد الفرح للتطور الجديد في مسيرة حياتها , أصبحت تترقب بكل شوق ولهفه خروج أبنها معلناُ قدومه للحياه حتى يكون مصدر أنشغال ومصدر سعاده في حياتها المستقبليه .


بدأت الأيام تسير ببطء على زينه , ولكن الجميل في الأمر أن زينه أصبحت أكثر قوة وأكثر تفاؤلاُ بالمستقبل , مرت الأيام خلف الأيام , والشهور خلف الشهور , حتى أصبحت زينه بالشهرالثامن , وتبقى على حلمها مجرد شهر ويصبح حقيقه .

في أحد الأيام قدم لعلوش ضيفاً من منطقه بعيده , وكانت زينه في ذلك اليوم متعبه ومرهقه جداُ , قام علوش بأيقاظ زينه وطلب منها أعداد وليمة الغداء لضيفه , وذهب لأعداد القهوة والجلوس مع ضيفه .
بعد مرور ساعتين من الزمن ذهب علوش ليرى أذا ما كانت زينه أنتهت من أعداد الغداء , ولكنه تفاجأ بأنها تغط في سبات عميق ولم تعد شيئاًُ لذلك الضيف , قام بركلها والصراخ في محياها المتعب ومعاتباُ أياها على عدم النهوض وأعداد وجبة الغداء .

سمع ضيفه ما يجري في قسم النساء , ونادى بأعلى صوته على علوش بأن يترك زوجته في حال سبيلها , وأن يغفر لها ذنبها , وأخبره بأنه لايشعر بجوع , وأنه تأخر في العودة الى أسرته .

ودع الضيف علوش , وغادر دون أن يتناول غداءه , وسط غضب عارم يجول في أفق علوش .

بعد ذهاب الضيف عاد علوش الى زينه , وقام بركلها على بطنها أكثر من مره , ناسياُ بن ذلك البطن يحمل في داخله أحد أبناءه الذي تنتظره زينه بفارغ الصبر , طلبت منه زينه وهي تبكي بأن يقوم بضربها بأي مكان آخر ما عادا أن يقوم بضربها على بطنها حتى لا يتضرر أبنه أو حتى يموت .
كان رد علوش جداُ قاسي ومؤلم عندما قال (( أحسن خله يموت ,, عندي من العيال ما يكفيني , وماني محتاج ولد حرام من ولد جاركم يصير ولدي ويشيل أسمي قدام الناس )) وأكمل ضربة على ذلك البطن المنتفخ على ذلك الجسد الصغير , وسط عذاب وألم لجسد زينه من الضرب , وعذاب وألم أكثر لقلب وفؤاد زينه من الكلمات القاسيه التي صدرت من علوش تجاهها .


نزفت زينه الدماء تلك الظهيره , وكانت تلك الدماء أعلان موعد جديد لزينه مع الحزن , فقد قتل أملها , قتل حلمها , قتل فرحتها , قتل جنينها باإقدام والده .

سقط الجنين من رحم زينه جثه هامده , بكت زينه لعدة ليال , كانت تسهر الليل في النظر الى القمر والنجوم الأشياء الجميله والوحيده المتبقيه في حياتها بعد وفاة جنينها .

كانت تسهر الليل تنظر الى السماء , تدعي تارة وتبكي تارة أخرى , وتشكي تارة , وتضحك تارة اخرى , أعلم أنكم تريدون معرفة سبب ضحكاتها , ليس لها سبب أكثر من أنها بداية هلوسه لعقل تلك الفتاه التي كانت الأذكى على مستوى المدرسة التي كانت تتلقى فيها تعليمها .

اصبحت تتحدث مع نفسها كثيراُ مؤخراُ , باختصار أصبحت شبه مجنونه .

طلبت من زوجها علوش أن يقوم بأخذها للهجره التي يقطن بها والدها حتى تقوم بزيارة الى والدها وصديقاتها . رفض علوش طلبها , دون أن يبدي أسباب لذلك الرفض .

بعد شهر تقريباُ من ذلك الطلب قام علوش بأخبارها بأنه سوف يقوم بأخذها الى والدها في زيارة سوف تستغرق يوم واحد فقط .
سعدت لذلك كثيراُ , وكأنها سوف تذهب الى الجنه وليس الى هجرتهم الكئيبه والممله .

على طريق الهجره كانت تبتسم عندما تتذكر صديقاتها وتحديداً صديقتها العزيزه فاطمه .

وصلت بعد عناء الى منزلها السابق , قامت بالسلام على والدها , والدموع تذرف على وجنتيها , سألها والدها عن أبنها الذي وصله خبر بأنه في رحمها ومن المفروض أن يكن خارج ذلك الرحم حالياًُ وبين أيديها تحديداُ , فا أجهشت بالبكاء وأصابتها نوبه بكاء حاده وطلبت من علوش أن يخبر والدها ماذا حدث لأبنها , وكأنها بذلك أعطت علوش فرصه أن يقوم بأختلاق قصه تجعله بريئاُ أمام والدها , وأنطلقت بعد ذلك تجوب أنحاء البيت تتفقده .

قامت بتنظيف البيت المتسخ وترتيبه , وقررت بعد ذلك الذهاب الى منزل صديقتها فاطمه .

مرت أمام مجلس والدها والذي كان فيه علوش يخبر عبدالرحمن سبب فقدانها للجنين كما جرت القصه دون أن يختلق قصة أخرى .

أثناء مرورها أمام المجلس سمعت صوت والداها يناديها , بعد دخولها للمجلس تأسف لها والدها على ماحدث لجنينها , وسط أبتسامه صغيره منها مفادها أن(( الأعذار لا تعيد الأمور الى مجاراها الطبيعي )) .

بعد ذلك قامت بأستأذان زوجها علوش مخبرة أياه بأنه ستقوم بزيارة منزل جارهم أبو موسى , فقال علوش بكل فظاظه وعدم أحترام (( رايحه تتطمنين على حبيب قلبك أكيد , ما كفاك أنك كنتي تقابلينه في الديره اللي ساكنين فيها , جايه لهنا تقابلينه ,, روحي روحي يمه وعلميه أني ذبحت ولده اللي كان في بطنك )) وأطلق بعدها ضحكة مقرفه تشابه محياه المقرف والبغيض .

أبتسمت زينه وقالت (( أن شاء الله أنا رايحه لحبيبي , يالله مع السلامه يا يبه , وأذا جاء محمد أمانه توصل سلامي له ,, وأنت يا ابو صالح روح الله لا يسامحك ))

وعادت أدارجها الى داخل المنزل , وسط قهقهه عاليه تصدر من علوش , وأستغراب يتضح جلياُ على محيا عبدالرحمن الذي لا يعلم شيئاً عن الذي يحدث أمامه .

كان يتحدث عبدالرحمن مع علوش ويخبره بأنه حتى الان يبحث عن زوجه تحل محل أبنته زينه , وقطع ذلك الحديث صوت صراخ لزينه , هرع له والداها , ولم يتحرك له ساكناًُ صاحب القلب المتحجر علوش .

ركض والدها بكل الأتجاهات يبحث عن أبنته ولم يجدها في جميع الغرف , ولكنه أتبع صوت صرخات أبنته , حيث قادته لمنظر لايكاد ينساه حتى يومنا الحالي , منظر في فناء منزله الخلفي عبارة عننار مشتعله تحتضن أبنته زينه التي لم تعد كذلك بعد حرقها لنفسها مفضله اللحاق بجنينها .


(( رحم الله زينه , وأعذرني يا محمد على تأخري في سرد القصه , وأعذرني أذ كنت نسيت شيئاً في القصه التي حدثتني عنها والألم يعتصرك ويقطع نصف حروف كلماتك ويفسد طريقة سردك لها ))



دمتم بود

وفتكم بعافيه

تقييمك للمدونة ؟؟