الجمعة، 29 أكتوبر 2010

(( يا عالم يا ناس فيه أحد يروح للموت بنفسه ))




(( يا عالم يا ناس فيه أحد يروح للموت بنفسه ))
الحلقه الأخيره من سلسلة رافعيات الجمعه





الهروب والرحيل ,, أم البقاء والنضال ,, حيرتي هذه ستصيبني في مقتل ,, والوضع لا يحتمل التريث في اتخاذ القرار ,, فصوت دوي أطلاق النار في الأرجاء القريبة وباستمرار يبث الرعب والقلق والخوف في داخلي .
أنا لست جبان حتى أخاف ,, حتى وإن كانت بلدي تتعرض لاغتصاب وانتهاك من قبل دوله شقيقه ,, ولكن خوفي وجل قلقي يكمن على عائلتي ,, لأن الحرب لا تعرف رحمه ,, وأغلب المقاتلين وحوش وقلوبهم قساه ويجهلون معنى الأنسانيه والطفولة والبراءة والشرف والعرض .

يمر على مسامعنا قصص مؤلمه حدثت لأشخاص أبرياء تم قتل أطفالهم أمام مراء أعينهم ,, وتمر على مسامعنا قصص أكثر الماُ لبنات تم اغتصابهم أمام ذويهم ,, ومر أمام عيني منظر إعدام مجموعة من شباب وطني لأنهم اقترفوا ذنباًُ عظيماُ وهو النضال والدفاع عن وطنهم .
بحكم انتمائي الوظيفي بما أنني عسكري ,, وبحكم انتمائي الوطني بما أنني كويتي ,, لا أريد الرحيل أو الهروب با اتجاه الأراضي السعودية لأنني أريد المشاركة في النضال حتى لو كلفني ذلك حياتي .
ولكن لأنني أملك شيئاُ أعز من حياتي ألا وهو عائلتي المكونة من أطفالي حمد وحسين وابنتي صيته وزوجتي ووالدتي ,, لذلك فكرت كثيراُ بالابتعاد بهم إلى الأراضي السعودية ,, حتى يكونوا في مأمن هناك ,, وحتى أعود للقتال والنضال هنا من جديد بروح تحمل حماساُ كبيراُ ولا تخشى أن يصاب أعز ما تملك أي مكروه .

قبل صلاة الفجر بلحظات كان جميع ما ذكرته لكم سابقاُ هو ما يجول في خاطري .

نهضت من السرير ,, توضأت ,, مددت سجادة الصلاة ,, صليت الإستخاره لأنهي ذلك الجدل العابث بمشاعري وتفكيري .

بعد انتهائي من الصلاة ,, انتابني شعور غريب وحماس كبير للقيادة حتى الأراضي السعودية .
طويت سجادة الصلاة,, ومن ثم أيقظت زوجتي أم حمد وطلبت منها أن تذهب لأيقاظ الجميع لأنني نويت أخذهم للمنطقة الشرقية ومن ثم العودة لوطني .


ما هي إلا قرابة الساعتين والنصف حتى كان الجميع في السيارة ,, في الوقت نفسه كنت أقوم بوضع الأشياء الثمينة في نهاية السيارة ,, وقمت بعدها بوضع المأكولات والمعلبات فوق الأشياء الثمينة ومن فوقهم وضعت الملابس والحقائب ,, فعلت ذلك حتى لا يراها الجنود العراقيين على الحدود ومن ثم يقوموا بمصادرة النقود والذهب والأوراق الرسمية وكذلك المأكولات .

موعد شروق الشمس كان موعد الإنطلاقه نحو الأراضي السعودية .

بعد قرابة الساعة توقفنا إجباريا أمام نقطة تفتيش عراقيه وهي الأخيرة قبل الوصول للأراضي السعودية .
أقترب الجندي العراقي مني وسألني عن وجهتي ,, فأخبرته بأنني متجه إلى المنطقة الشرقية .
ثم سألني عن نوعية عملي ؟؟ فكذبت عليه وأخبرته بأنني مدرس رياضيات في المرحلة الأبتدائيه .

بعد ذلك طلب مني أن أقوم بإنزال جميع المواد الغذائية أذا كانت معنا .
فكذبت عليه للمرة الثانية وأخبرته بأنه ليس معنا أي مواد غذائية
.
بعدها طلب مني المغادرة .

قبيل ذهابي رأيت الطريق أمامي ينقسم إلى مسارين ,, مسار أيمن ,, ومسار أيسر
سألت ذلك الجندي عن أي الطرق أتبع ,, فأخبرني بأن أسلك المسار الأيمن لأنه الأقرب الى الحدود السعوديه
قمت بعد ذلك بشكره ,, وبعدها أنطلقت نحو الاراضي السعوديه .



بعد أن قطعنا ما يقارب 60 كيلو متر شاهدت المباني السعوديه على بعد 10 كيلومتر تقريباُ ,, ولا يوجد أي نقاط تفتيش أو بوادر تشير الى أننا سنتعرض لمكروه ,, تملكتني السعاده والأرتياح حينها ,, لأنني كنت أخشى من غدر ذلك الجندي العراقي صاحب المحيا البشع .

بعدها أخبرت الجميع بأننا اقتربنا من الحدود السعودية وأنني أرى بعض المباني على بعد 10 كيلومتر تقريباُ .

تنفس الجميع الصعداء بعد سماعهم لما أخبرتهم به .

قلت حينها بصوت عال ومخاطباًُ والدتي وزوجتي أم حمد (( الحمدلله طحنا بجندي ولد حلال علمنا الطريق الأقرب ,, والله أنا خفت أنه يكذب علينا ويخلينا نروح مع طريق ماهو صحيح ))
قالت حينها والدتي في ردة فعل غريبة منها (( دام أنه طلع ولد حلال ,, ليه ما ترجع له وتعطيه كل الأكل اللي معانا لأننا ما نحتاجه ,, خلاص الطريق وعرفناه ,, شكو نأخذ الأكل معانا ))
قلت لوالدتي وابتسامة الاندهاش والتعجب تملئ محياي (( تتكلمين من صجك يا يمه وإلا تتغشمرين وياي ؟؟ ))
والدتي (( لا ما اتغشمر ,, يالله رد للجندي العراقي وأعطيه كل اللي معانا من أكل ,, لأن حنا كنا خاشينه عشان كنا خايفين ان السياره تتعطل ويانا ,, وإلا نروح مع طريق غلط ,, ولكن دام إننا شفنا المباني السعودية خلاص يعني حنا بخير ,, يالله رد للجندي العراقي ))

أنا وعلامات الغضب والانفعال تملئ محياي (( اعذريني يا يمه ,, والله ما أرد لو يصير اللي يصير ,, يمكن إذا ردينا له يأخذ الذهب والبيزات اللي معانا ,, الله لا يرده مصيره يلقى أكل ويأكل ,, كفاية عليهم اخذوا كل شي في الديره ولا كأننا عرب ومسلمين ))

والدتي والإصرار يتضح في نبرة صوتها (( خلاص أجل خلني هنا وروح أنت وزوجتك وعيالك الله يستر عليكم ,, أنا قلت لك يا أننا نرد نعطي الجندي الأكل ,, أو أنك تخليني هنا ))

رميت بكل ثقلي على دواسة فرامل السيارة حتى توقفت ,, وكان للغضب دور كبير في ردة فعلي تلك .

ثم قلت (( يا يمه حنا مشينا فوق 60 كيلو كيف تبينا نرجع عشان أكل ؟؟ هذيك حدود السعوديه شوفيها ما يفرق بيننا وبينها الا اقل من عشره كيلو ,, خليني انزلكم للدمام وأنا أوعدك أني راح أرجع للجندي وأعطيه كل الأكل اللي معانا ؟؟ ))

عندها قامت والدتي بفتح باب السيارة والنزول منها ,, وسط غضب عارم تملك زوجتي أم حمد ,, ووسط ضحكات من اطفالي على الذي يحدث أمامهم .

ترجلت من السياره وذهبت إلى والدتي التي افترشت الأرض وطلبت مني تركها هنا وإكمال الطريق برفقة أبنائي وزوجتي ,, حاولت أقناعها ولكن لم أستطع كعادتي منذ الصغر معها ,, فهي لطالما أخبرتني بأنها أكثر مني خبره وبأنها أفهم مني في أمور هذه الحياة .

جميع جيوش الغضب احتلت فؤادي حينها ,, مثلما احتلت الجيوش العراقية وطني الحبيب .

افترشت الأرض بجانب والدتي ,, والتي كانت تتحدث كثيراُ بأنها تفا جئت من أسلوبي في التعامل بهذا الشكل المشين لمن أحسن لي صنعاُ ,, كانت تقول لي (( أنا ربيتك على الطيب بعد وفاة أبوك ,, وما أذكر أني علمتك تكون ناكر للوفاء والجميل يا ولدي ))


بعد تفكير عميق قررت العوده لذلك الجندي السافل والأحمق والغبي والشحاذ والمنافق والكذاب وال ..... الخ << أكملوا بقية العبارات القبيحة والوقحة . سلكت طريق العودة وسط ارتياح كبير ظهر على محيا والدتي ,, وسط غضب عارم لمسته في نبرة صوت زوجتي أم حمد عندما قالت (( خلاص ردوا للجندي العراقي ما عندي مشكله ,, ولكن تذكري يا عمتي أذا صار شيء لليهال ترى أنتي السبب وما راح أسامحك أبدا ,, ياعالم يا ناس فيه أحد يرجع للموت بنفسه ؟؟ ))

سمعت تلك الكلمات المدهشه والتي أزاحت جيوش الغضب من فؤادي واستوطنت هي المكان ,, لأنني ولا أول مره أسمع زوجتي المحترمة جداُ أم حمد تخاطب والدتي بذلك الأسلوب القوي والجاف ,, ولكن لم أعذرها حينها لأن الوضع لا يحتمل المجاملات والتصنع .

بعد مسيرة خمس وأربعون دقيقه تقريباُ وصلنا إلى نقطة التفتيش التي يقف عليها الجندي العراقي الجائع.




قمت بإيقاف سيارتي على جانب الطريق وبالقرب من نقطة التفتيش العراقيه ,, وفتحت باب السيارة الخلفي ,, وقمت حينها بأانزال الحقائب الكبيرة والملابس وبعد ذلك قمت با انزال المواد الغذائية والمعلبات .
حملت تلك المعلبات والمأكولات وقمت بوضعها جميعاُ بالقرب من نقطة التفتيش تلك ,, ثم أخبرت الجندي المجهول بأنني كذبت عليه با أخباري له عن عدم وجود أي مواد غذائية بسيارتي ,, ولكن بعد أن رأيت الحدود السعودية طلبت مني والدتي أن أعود لأعطاءه هذه المأكولات والمعلبات الغذائية .

دهش الجندي من الذي أخبرته به ,, وأخبرني بأنه ليس مغفل حتى يصدق ذلك الكلام الكاذب الذي أخبرته به ,, لذلك يود التأكد من خلو هذه الحافظات والمعلبات من أي مواد سامه قد نكون وضعناها له للتخلص منه ومن باقي الجنود الذين معه .

طلب مني إحضار أبنائي حمد وحسين وبنتي صيته صاحبة الثلاث سنوات ,, وعند سؤالي عن السبب ,, قال لي بصوت عال أذهب وأحضرهم وستعرف لاحقاُ ما الذي أريده منهم .

ذهبت إلى السيارة وكلي خوف ,, كلي قلق ,, كلي غضب على والدتي ,, ما الذي يريده هذا الحقير والسافل من هؤلاء الأطفال ؟ جال هذا السؤال مليون مره في فؤادي خلال اقل من دقيقه .

وقفت عند باب السيارة الأيمن وأخبرت زوجتي ووالدتي بطلب الجندي الغريب ,, فزعت زوجتي وقامت بالبكاء ,, وكذلك والدتي التي تمتمت ببعض الكلمات والدعوات ثم قالت (( لا تخاف يا وليدي ,, اللي كاتبه الله راح يصير ,, نزل عيالك وأنا راح أنزل معاهم وبأذن الله ما راح يصير لهم مكروه ))

لم تكمل والدتي كلماتها حتى قالت زوجتي (( كيف ما راح يصير لهم مكروه وأنتي خليتينا نرجع للموت باأنفسنا ؟؟ ,, كله منك يا عمتي ,, كله منك ,, والله ما راح أسامحك لو صار لليهال شيء ))

كنت كا الأبله ,, قمت با إنزال الأطفال واحد تلو الآخر وعيني تنظر لهم وتودعهم ,, وكأني عائد بهم إلى الموت ,, الجميع كان يبكي ,, الأطفال ,, والدتي ,, زوجتي ,, حتى الخادمة الاسيويه كانت تبكي بحرقه لأنها كانت قلقه على الأطفال الذين عاشت معهم سنين .

اصطحبت أبنائي حمد وحسين وأمسكت بهم جيداُ ,, بينما كانت صيته والدتي تحمل بين ذراعيها ابنتي صيته والتي أسميتها صيته على اسم والدتي .

بعد إن اقتربنا من الجنود العراقيين الذين كانوا يضحكون ,, ويقومون بتحريك أسلحتهم النارية كل حين عن قصد وعن دون قصد ,, سألوني عن هوية المرأة التي تسير خلفي ,, فأخبرتهم بأنها والدتي ,, طلبوا منها التوقف والقيام بخلع عباءتها حتى يتأكدوا عن وضعها لأي أسلحه ناريه تحت تلك العباءه .

قامت والدتي برمي عباءتها ,, وسارت بكل ثقة نحو الجنود .

بعد أن وقفنا قال الجندي العراقي (( هاي هي أمك الحنونة ؟؟ أكيد حاطه لنا سم بالأكل تريد تتخلص منا ,, ولكن هسا نشوف من يضحك على الثاني ,, يالله أفتح الحافظة وطعمي أولادك منها ونريد نشوف أمك تأكل معاهم ))

قامت والدتي بفتح تلك الحافظة ,, وقامت بإعطاء الاطفال قطع من تلك المأكولات حتى يقوموا بأكلها ,, وقامت هي بنزع الغطاء عن وجهها المتجعد ,, ثم قامت بوضع اللقمة تلو اللقمة في فمها ,, ثم قامت بعد ذلك بفتح احد المعلبات ,, وقامت كذلك بالأكل من ذلك المعلب وإعطاء قطع منه لصيته التي كانت تأكل تلك اللقمة رغماُ عنها .

بعدها دبت الطمأنينة لنفوس الجنود العراقيين ,, وقاموا بأخذ الحافظات والمعلبات ووضعها في الغرفة المصنوعة من الخيش البلاستيكية المليئة بالاتربه والأحجار الصغيرة .

بعد ذلك قام ذلك الجندي الجائع بتوجيه سؤال إلى والدتي وذلك بعد تأكده من صدق نيتها ,, وكان سؤاله عن أذا ما كنا نحمل معنا في السيارة محتويات نقدية ومجوهرات وغيرها من الأشياء الثمينة .

وجهت أنظاري إلى والدتي وكلي ثقة بأنها ستخبرهم بأننا لا نحمل أي مبالغ نقدية أو مجوهرات ,, لأننا بحاجة إلى تلك الأشياء النقدية .
قالت والدتي بكل ثقة (( ما راح أكذب عليك ,, السيارة فيها ذهب وبيزات ))
قال الجندي العراقي (( عفيه عليك يا امنا الحنونة ,, ليه ولدك ما طلع مثلك صادق ,, هوايه كذاب ولدك ويستاهل الجتل ,, يالله روحي جيبي الذهب وخلي البيزات لكم لأننا ما نريدها ))

ذهبت والدتي إلى السيارة ,, وقامت بفتح باب السيارة الخلفي وأخذ جميع المجوهرات والذهب ولم تترك حتى قطعه صغيره ,, ثم عادت ووضعتها أمام الجنود العراقيين الذين سالت لعابهم عند رؤيتهم لتلك المصوغات وقطع الذهب ,, في الوقت الذي سالت دمعتي قهراُ على الذي فعلته والدتي .

بعد ذلك أخبرنا الجندي العراقي بأنه يمكننا الذهاب الآن حيث نريد .

أخذت أبنائي وسرت خلف والدتي وأنا أنظر إليها وهي تقوم با انتشال عباءتها ,, وكلي لوم وعتب عليها وكان كل ما يجول بخاطري حينها هاتين الكلمتين (( ليه يا يمه ؟؟ ليه يا يمه ))

ركبت السيارة ,, وقمت بتشغيل محركها وأنا أسمع كلمات العتب واللوم من زوجتي على والدتي لأنها فقدت جميع ما تملكه من حلي ومجوهرات ,, بينما أكتفت والدتي بقولها (( الذهب يرجع ,, بس الضنا ما يرجع ,, الحمدلله على سلامة ضناك والله يعوضك خير بالذهب اللي راح ))

التفت إلى الخلف وناظرت إلى والدتي والتي كانت تنظر إلي بكل شجاعة وكأنها فعلت شيئاُ عظيماًُ حتى بان لي بأنها متأكده بأن ما فعلته هو الصواب ,, في الوقت الذي كنت اتوقع ان أراها تهرب بعينيها من عتاب ولوم عيني لها .

أردت الانطلاق والسير في المسار الأيمن ولكن سمعت صوت الجندي العراقي يطلب مني العودة إليه ,, لأنه على ما يبدو يملك شيئاُ يود أخبارنا به .

قمت بالسير رجوعاُ إليه ,, اقتربت منه وقمت بفتح نافذة السيارة ,, وسألته عن ما يريد ,, فا طلب مني أن أسلك المسار الأيسر .

تفاجئت من طلبه الغريب ,, وسألته عن سبب طلبه مني بتغيير الطريق مع العلم أن المسار الأيمن طريقه أقرب إلى الأراضي السعودية على حد زعمه .

فا أخبرني السبب الذي كان غريباُ جداُ ,, وكان أغرب مما تعرضنا له في رحلة هروبنا للأراضي السعودية إ
ذ أخبرني بأن الطريق الأيمن الذي سلكناه قبل قليل مملوء في نهايته بالمتفجرات ومزروع بالألغام ,, أي نهاية ذلك الطريق سيشهد حتفنا لو سلكناه لنهايته ,, وأخبرني بأنهم قاموا يوم الأمس بزرع ذلك الطريق بالألغام احترازا من دخول القوات السعودية براُ ,, وأضاف بأنه لم يندهش من عودتنا لإعطائهم المأكولات بقدر تفاجئه من عودتنا سالمين .
العشرة كيلو أو الثمانية كيلو لو أكملناها كانت ستشهد نهايتنا ,, ولكن رغبة والدتي بالتوقف والعودة لا أعطاء المأكولات لذلك الجندي كانت سبب في كوني حياُ أرزق لأكتب لكم هذه الكلمات .





تقبلوا تحياتي










الجمعة، 8 أكتوبر 2010

(( كابوس غير حياتي ))


(( كابوس غير حياتي ))
ضمن سلسلة مواضيع رافعيات الجمعه ,,



أبو عبير : كيف حالك يا القبطان زيدان ؟
أنا : بخير الله يسلمك ويخليك ؟
أبو عبير : أنا متصل عليك عشان أعطيك خبر أن عندنا بكرة مباراة في دار الملاحظة الاجتماعية بعد المغرب أن شاء الله ,, يعني خلك جاهز من العصر ولا تروح عليك نومه والا تنسى ,, لأني أعطيت صديقي واللي موظف في دار الملاحظة الاجتماعية خبر أننا جاهزين نباري منتخب دار الملاحظة اللي يشرف عليه .
أنا : اهااا ,, كذا السالفة ,, أوكيه ما عندك مشكله ,, راح تلقاني قدامك بأذن الله .
أبو عبير : مع السلامة
أنا : مع السلامة

يوم الخميس بعد صلاة المغرب كنت متواجداُ في ملعب دار الملاحظة الاجتماعية ,, وكنت أجلس على المقاعد الخرسانيه خارج الملعب وذلك بطلب من صديقي أبو عبير بأن أكون لاعب احتياطي ,, وسيكون موعد نزولي للملعب الشوط الثاني بسبب ضعف المخزون اللياقي لدي .

على يميني يجلس صديقي عبدالرحمن ,, وعلى يساري وعلى بضعة أمتار مني يتواجد نزلاء الدار الاجتماعية والذين أغلبهم أطفال لم يتجاوزوا الرابعة عشر من أعمارهم .

أقترب مني صديقي عبدالرحمن وقال لي بصوت خفيف بالكاد سمعته (( شوف يا القبطان هذاك الطفل اللي يأكل شوكلاته ويلحس الكيس حق الشوكلاته ,, والله كاسر خاطري وبغيت أبكي لما تخيلت أنه اخوي الصغير ,, ياخي الدار هذي غلط كبير في مجتمعنا ,, ولازم يلغونه لأن ما منه فايده ,, بالله شووف أشكالهم وهم محلقينهم مووس ما يكسرون خاطرك ؟؟ ))
أنا (( والله يالدحمي مدري وش أقولك ,, خلني أعرف قضية الطفل هذا وبعدين أحكم وأقولك أذا كاسر خاطري والا لا ))
عبدالرحمن (( تتكلم من جدك يالقبطان ؟؟ تكفى قول لي أنك تمزح عشان ما تتغير نظرتي فيك ))
أنا (( أنت حر بوجهة نظرك فيني ,, ولكن أحب أقولك أني سعيد لوجود مثل دار الملاحظة هذا في مجتمعنا ,, لأنك مثل ما أعتقد ما تعرف قيمته))
عبدالرحمن وبدأت ملامح الغضب ونبرة الانفعال تتضح على ردة فعله (( مع احترامي لك ما عندك سالفة ,, ولا في قلبك ذرة رحمه ,, والحمد لله بانت لي حقيقتك يالقبطان ))
بعد حديث صديقي عبدالرحمن التزمنا الصمت ,, وتظاهر كل منا بانشغاله بمتابعة أحداث المباراة .

يوجد لدي ما أقوله لعبدالرحمن ولجميع من يعرف القبطان ,, لذلك قمت بمناداة الطفل الذي كان يأكل الشوكلاته ونال على استعطاف صديقي عبدالرحمن ,, وطلبت منه الاقتراب والجلوس بالقرب مني .
أبتسم الطفل وأشار على نفسه ويسألني أن كنت أقصده بعينه ,, فأشرت له بالإيجاب ,, تحدث مع أصدقاءه الأطفال الذين يشاركونه سنين العمر والتي على ما يبدو لي بأنها لم تتجاوز الأثناء عشر سنه .
سار الطفل تجاهي ليس وحيداُ ,, لأن ثلاثة من أصدقاءه كانوا يرافقونه نحوي ,, اقتربوا مني وقاموا بالسلام علي بكل احترام ,, وفعلوا نفس الشيء لصديقي عبدالرحمن الذي غمرت السعادة محياه وكذلك العطف أتضح على عيونه المغروقه بالدموع .

جلس الطفل وأصدقاءه حولي ,, عرفتهم بنفسي وكذلك بصديقي عبدالرحمن ,, وقاموا حينها بتعريفنا بأنفسهم وكانت أسمائهم , محمد (( طفل الشوكولاته )) صالح ,, مازن , جاسم ))

سألتهم في البداية عن سبب تواجدهم في هذا الدار ,, فكان كل منهم يرمي الأجابه على صديقه للبدء في الحديث عن التهمه التي جعلته أبناءُ من أبناء دار الملاحظة الأجتماعيه .
أيقنت حينها أنهم لن يتحدثوا وللحرج دور في ذلك ,, فقمت أنا بالحديث قائلاُ (( وش فيكم مستحين ؟؟ ترى عادي وكل شخص مننا معرض للخطاء والزلة ,، وعندكم مثال أنا قبل عشر سنوات كنت مثلكم متهم بقضية وكنت أحد أبناء الدار هذي ))
أندهش جميع الأطفال لما أخبرتهم إياه ,, وكان أكثر المندهشين صديقي عبدالرحمن الذي قال (( أقوول بلا كذب ,, معقوله القبطان زيدان الكاتب المعروف بالاحترام يكون دخل مكان مثل المكان هذا ,, أسمح لي والله ما أصدق لو تحلف من الحين لبكرة ,, إلا أذا كنت تسرق الكتابات اللي تسميها رافعيات الجمعه وتنسبها لك ))

زرعت ابتسامه على شفاهي وتجاهلت حديث صديقي عبدالرحمن وكأنني لم أسمعه ,, وأجبت على سؤال صالح عن التهمه التي اقترفتها وكانت سبب في دخولي لهذه الدار ؟؟
كان جوابي مدهشاُ أكثر للأطفال المحيطين بي ولصديقي عبدالرحمن عندما قلت (( كنت متهم بحرق المدرسة الثانوية اللي كنت أحد طلابها ))

ما هي إلا ثواني حتى أنفجر صديقي عبدالرحمن ضاحكاُ ,, ثم تمالك نفسه وقال (( الله يالقبطان أجل حارق مدرسه ههههه وش عنده اللي متربي في عائلة مافيا ,, كمل كذبك على العيال المساكين اللي متحملين كذبك عشانك أكبر منهم بس ))
ثم قال الطفل محمد (( أنت من جدك تتكلم وإلا شايفنا صغار وقلت خلني أطقطق عليهم ))
ثم قال أبو عبير (( يالقبطان يالقبطان جيب الكورة لاهنت )) في فاصل أعلاني كان سبب في قطعي للحديث والجري خلف الكرة وأعادتها للملعب ,, عائداُ بعدها لمكاني بين الأطفال وصديقي عبدالرحمن .

قمت بالتقاط أنفاسي ,, ثم تحدثت قائلاُ (( قبل عشر سنوات احترقت المدرسة الثانوية اللي كنت أدرس فيها بالصف الأول ثانوي ,, وطلبت الشرطة من مشرف المدرسة أن يقوم بتحديد أسوء عشر طلاب في المدرسة سلوكاُ وانضباطا ,, فتم أدراج أسمي في الترتيب الثالث رغم صغر سني حينها ,, قامت الشرطة بالتحقيق مع الطلاب التسعة أثناء أجازة منتصف العام ,, وكنت حينها أقضي تلك الأجازة مع أسرتي خارج المنطقة وفي ربوع البادية بحثاُ عن (( الفقع )) ,, وعند عودتي من الأجازة ,, لم أذهب للمدرسة أول يومين وكانت تصادف يومي الاثنين والثلاثاء ,, وفي صباح يوم الأربعاء كنت متواجد في المدرسة ,, وما هي إلا دقائق حتى أتى رجال الشرطة وقاموا بأخذي لمركز الشرطة في المنطقة ,, وهنالك تم التحقيق معي ,, وأخذ جميع أقوالي ,, وأخبروني بأن أحد التسعة الذين أخذوا أقوالهم يشك بأنني ضلع في تلك الحادثة ,, وطلب مني معرفة لما شكك ذلك الشخص المسمى با أحمد في ضلوعي في القيام بحرق المدرسة ,, فأخبرته أنني أوسعت المدعو أحمد ضرباُ قبيل أيام من احتراق المدرسة ,, وذلك سبب رئيسي في اتهامه الباطل والموجه لي .

ألتفت باتجاه صديقي عبدالرحمن وسألته عن نتيجة لقاء فريقنا وفريق الأحداث ,, فأخبرني أنه لا يعلم عن النتيجة شيئاُ بسبب انشغاله بمشاهدتي وأنا أتحدث للأطفال ,, فأخبرته بأنني لست تلفازاُ حتى ينشغل بمتابعتي ,, وأنما عليه سماعي فقط حتى يعرف الذي أقوله

ضحك الأطفال على ذلك الفاصل ,, وطلبوا مني مواصلة الحديث ,, فأردفت قائلاًُ (( تم أخذي مقيداُ بسيارة الشرطة تلك الظهيرة وكانت الجهة المقصودة هي المحكمة حتى أخذ أقوالي هنالك أيضاُ ,, والمحكمة هي ذلك المبنى القريب من دار الملاحظة الأجتماعيه ,, وعند وصولنا للمحكمة كانت الساعة تشير للثانية والنصف ,, أي انتهاء فترة العمل في المحكمة منذ نصف ساعة ,, عندها قاموا رجال الشرطة بأخذي إلى داخل دار الملاحظة الأجتماعيه ,, وقاموا بأخبار المشرف على الدار بأنني متهم بإحراق الثانوية التي أدرس فيها ,, وأنني الوحيد بين عشرة متهمين لم تأخذ أقواله ,, عندها طلب المشرف على الدار من رجال الشرطة أن يقوموا بتركي في دار الملاحظة الأجتماعيه حتى انتهاء التحقيق معي يوم السبت ,, وذلك خوفاُ من هروبي أو عدم حضوري للمحكمة يوم السبت ,, لذلك من الأفضل برأيه أن أتواجد الثلاث أيام المقبلة في دار الملاحظة الاجتماعية ,, في قرار أتخذ بشكل فردي وتعسفي .
غادر رجال الشرطة دار الملاحظة الأجتماعيه وسط صخب وإزعاج ومحاولة خروج من ذلك المكان الشبيه بالسجن ,, ولكن باءت جميع محاولاتي بالفشل ,, وأرغمت على ارتداء اللباس الخاص بنزلاء الدار ,, وكذلك أرغمت على حلاقة رأس شعري بموس حلاقه للمرة الأولى بحياتي ,, كنت غير مصدق لما يحدث البتة .
ذهبت لغسل رأسي بعد الحلاقة ولكن تفاجئت بمشرف الدار يقوم بضربي بشدة ,, فسألته مستغرباُ عن الذنب الذي اقترفته حتى يقوم بضربي بذلك الشكل المؤلم للغاية ؟؟
فأخبرني بأنني ذهبت لدورة المياه دون أخذ الأذن منه أو من أحد المشرفين ,, وأضاف أنه من المفترض علي أن أقوم بأخذ الأذن قبيل فعل أي شيء في هذا الدار .
صرخت في محياه ومخبراُ إياه بعدم ضربي مرة أخرى حتى لا يحدث له مكروه ,, فقام با استدعاء ستة أشخاص في نفس عمري حينها ,, قاموا بإسقاطي أرضاُ ,, وقام هو بضربي بشكل غير أنساني أطلاقاُ .

بكيت كثيراُ ,, لا سيما وأنني مظلوم ولا أستحق التواجد في هذا المكان ,, فعلى الرغم من كوني مشاغباُ في المدرسة وخارجها ,, وأتسبب بالعديد من المشاجرات وكذلك بالعديد من أعمال الشغب ,, وأقوم بمعاملة الأجانب معاملة سيئة وخصوصاًُ الأنثى التي أتت للعمل لدينا من أقصى القارة ,, وكذلك عدم احترامي لجميع القوانين ,, وعدم انصياعي لأوامر وطلبات أبي وأمي ,, وعدم قيامي بالواجبات الدينية على أكمل وجه ,, الأ أنني لا أستحق التواجد في هذا المكان لأنني كما يعلم رب العالمين برئ من التهمه الملصقة بي كبراءة الذئب من دم يوسف .

تعرضت لشبه إغمائه جراء الضرب المبرح,, وتم نقلي للغرفة التي كنت أقيم مع سبعة أشخاص آخرين فيها ,, ولكن الحمد لله أفقت من سباتي ومن ذلك الكابوس المزعج وأنا داخل المنزل .


ذهبت أركض باتجاه أمي مقبلاُ جبينها ,, ومخبراُ إياها بأنني سأتغير للأفضل ,, ورأيت العاملة الشرق أسيويه تقوم بأعداد وجبة الغداء التي لم أذق طعمها في منزلنا تلك الفترة والسبب يعود لأنني كنت أكره كل ما تعده عاملتنا المنزلية ,, لأنني كنت أعتقد بأنها غير نظيفة وكذلك جميع أبناء جلدتها .
رأيت عاملتنا المنزلية تقوم بأعداد الطعام فقمت بشكرها وأخبرتها بأنني جائع وبأنني سألتهم جميع ما أعدته لي ولأفراد الأسرة , وانطلقت بعد ذلك للمسجد بعد سماعي لأذان الظهر في حادثة فريدة من نوعها ,, لأنني أعتدت الذهاب للمسجد بعد سماع الأقامه فقط
.

وجدت على طريق المسجد صديقي المشاكس ناصر ,, يطلب مني الذهاب لأخذ ثار أخيه الذي ضرب مساء الأمس على يد أبناء جارنا الأجنبي ,, فأخبرته بأن شقيقه هو المعتدي على أبناء جارنا المحترمين ,, لذلك سأذهب للمسجد ,, ولن أذهب بحثاُ عن المشاكل من الآن وصاعداُ ,, قلت كلامي ذلك وأنا أرى ردة فعل غريبة اتضحت على محيا صديقي ناصر والذي لم يتوقع أنه سوف يسمع تلك الكلمات يوماُ ما من (( قبطان المشاكل)) كما كنت أدعى سابقاُ .

لم أشعر إلا أتتني ضربة قويه من الخلف من صديقي الدحمي الذي كان غاضباُ جداُ وقال (( أنا داري أنك تستهبل وجايب هالأطفال عشان تضحك عليهم وتطقطق على روسهم ,, الشرهه مو عليك الشرهه علي أنا اللي طنشت المباراة وجلست أسمع احلامك وسوالفك السامجه يالسامج))

حككت ظهري لتخفيف الم تلك الضربة التي وصلتي من يد صديقي عبدالرحمن ,, وطلبت من الأطفال الأربعة الجلوس وسماع باقي حديثي لأنهم كانوا واقفين وقاصدين العودة لأماكنهم وبجوار أصدقائهم ,, ولسان حالهم يقول حينها (( تتشمت فينا يالقبطان ,,هذي اخرتها ,, الشرهه على اللي يحترمك ويقدرك ))

اعتذرت لهم عن فاصل صديقي عبدالرحمن ,, وقمت بمواصلة حديثي (( بعد حديثي مع صديقي ناصر في الشارع كنت سعيداُ لأنه مجرد كابوس ,, ولكن قطع تلك السعادة ألم ضربة تعرضت لها على كتفي من مشرف دار الملاحظة الأجتماعيه يطلب مني القيام من النوم والذهاب للوضوء والاستعداد لأداء صلاة المغرب ,, أفقت من نومي ووجدت نفسي في تلك الغرفه الكئيبة في هذه الدار ,, بكيت كثيراُ ,, وذهبت وتوضأت وأنا أبكي ,, وأديت صلاة المغرب وأنا أبكي ,, لأنني لم أكن أعلم بأن وجودي في هذه الدار حقيقة ,, وحلمي بأنني في المنزل وبين أسرتي هو الحلم .


بعد صلاة المغرب لاحظ أحد مشرفي الدار وأمامنا في المسجد دموعي ,, وكان يطيل النظر إلي في المسجد ,, وبعد انصرافنا للغرف المخصصة لنا , تواجد ذلك المشرف الملتزم الذي كان يدعى مصعب ,, وكان رجل في غاية الاحترام والروعة ,, تسائل في البداية عن سبب بكائي المستمر ؟؟ فأخبرته بأنني مظلوم حتى أتواجد في هذا المكان ,, وأن التهمه التي ألصقت بي أنا بعيداٌُ عنها ولم أبلغ أقصى درجات السوء حتى أقوم بتنفيذ مثل ذلك الأمر السيئ للغاية .

قام باصطحابي حينها لمكتبه ,, وقام بالحديث بشكل مطول ,, وكانت أبرز نقاط حديثه ذلك الوقت هي :

1- أنني لست المظلوم الوحيد في هذه الدار أو في السجون المخصصة لكبار السن ,, وإنما يوجد العديد من المظلومين في خلف القضبان .
2- أن ما أتعرض له حالياُ لا يتعدى كونه اختبارا من الله ,, أو جزء دنيوي على بعض المخالفات والمعاصي التي أقوم بها في دنياي والتي أعتقد بأنها بسيطة .
3- أن الرجل هو من يصبر عند المصائب وعند أصعب الظروف وأحلك المواقف,, لذلك يجب علي الصبر وعدم الاستسلام وسوف يظهر الحق عاجلاُ أم أجلاُ .
4- قام بعدها مصعب بمناداة طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره وسأله عن سبب قدومه فا أجاب ذلك الطفل بأنه قام بالسرقة أكثر من مره لذلك هو يتواجد هنا ,, سأله المشرف مصعب عن المدة التي سيقضيها هنا ,, فا أجاب ذلك الطفل بأنها ثلاث أشهر مضى منها شهر فقط .


دهشت حينها من ردة فعل الطفل وكيف تأقلم مع الأجواء في ذلك الدار ,, كففت دموعي حينها ,, معطياُ نفسي وعداُ بأنني لن أبكي من الآن وصاعداُ وسأحاول الأستفادة قدر المستطاع من هذا الابتلاء .

لا أنسى تلك الورقة الصغيرة التي قام المشرف مصعب با إعطائها لي وطلب مني الأجابه عليها سراُ ولست بحاجة لأخباره بالأجابه الصحيحة , لا أنسى محتوى تلك الورقة المكتوب فيها :
أذا كنت مظلوم وترى بأنك لا تستحق التواجد هنا فالسبب يعود لا أحد الأسباب الأربعة التالية :
1- معصيتك لخالقك وعدم التزامك بتعاليمه كما ينبغي << قلت بيني وبين نفسي هذا السبب أكييد
2- عقوقك لوالديك << بعدين قلت لا أكيد هذا السبب
3- ظلمك لشخص معين باستمرار <<< بعدين قلت لا أكيد هذا السبب << فيس واحد تذكر يوم يتهم شغالتهم أنها تسرق الفلوس وكل شي يضيع بالبيت وبالحارة وبالمملكة
4- تعديك على الآخرين وعدم احترامهم << قلت لا هذا السبب <<< فيس واحد تذكر يوم يفقع وجه ولد جارهم لأنه رفض يعطيه لفه بسيكله الجديد


للأسف جميع ما تم ذكره كنت متهم فيه ,, وعند سؤال المشرف مصعب لي عن عدد الأسباب التي قد تكون سبباٌُ في دخولي لهذا الدار ,, قمت بالكذب عليه وأخبرته بأنها واحد فقط << فيس واحد مستحي وباين بوجهه أنه كذاب وجايب الصمرقع للعالم كله

قام حينها المشرف مصعب با أجراء أول مكالمة لي مع والدتي ,, وأخبرني بأنني سوف أتحدث مع أسرتي ثلاث دقائق يومياُ حتى مغادرتي لدار الملاحظة الأجتماعيه .

بعد تلك المعاملة والجلسة الأبوية من المشرف مصعب ,, بدأت التأقلم ,, عدت للغرفه التي يتواجد بها سبعة أشخاص كلي تفاؤل ,, تعرفت عليهم وتعرفوا علي وأصبحنا أصدقاء بعدها .

مر اليوم الأول بتثاقل غريب ,, ومر اليوم الثاني والثالث بشكل اعتيادي .

ألتزمت بقوانين الدار والتي أبرزها :
1- القيام من النوم لا أداء صلاة الفجر قبيل موعد الأذان بنصف ساعه .
2- التزام الصمت في المسجد .
3- النوم على الظهر فقط وعدم النوم بأي وضعيه أخرى .
4- عدم الحديث مع الأطفال الذين يصغروننا بالسن وكذلك الأشخاص الذين يكبروننا بالسن .
5- عدم فعل أي شيء إلا بعد أخذ الموافقه من المشرفين المناوبين .
6- النوم مبكراُ والاستيقاظ مبكراُ ما عدا يوم الأربعاء والخميس يسمح بالسهر للساعة 12 مساء << يعني كذا خربوها. 7- عدم المكوث في دورة المياه لا أكثر من دقيقتين مهما كانت الحالة <<< هذا أكثر شي كان مضايقني ذيك الأيام .


يوم الخميس شاركت في لعب الكرة مع أبناء الدار وأستمتعتنا بذلك اليوم .

يوم الجمعة قضيناه بين كتب مكتبة الدار والبعض أمضاه في تعلم الكومبيوتر والبعض الآخر في تعلم الرسم والبعض (( قضاها سوالف وضحك ))

أتى يوم السبت ,, وأتى رجال الشرطة لمدرسة دار الملاحظة الأجتماعيه ,, وقاموا بطلب الأذن من مدرس مادة التوحيد لأخذي للمحكمة لأخذ أقوالي .

ذهبت للمحكمة وتم أخذ جميع أقوالي هناك ,, وعندما لم يجدوا شيئاً مثيراُ للاهتمام قاموا بالاتصال بوالدي ليقوم بأخذي من دار الملاحظة الأجتماعيه .

فارقت الدار ظهيرة يوم السبت ,, وكان برفقتي أثنين من أصدقائي في الغرفة وذلك بعد تنازل الشخص الذي قاموا بضربه با آلات حادة ,, وقمنا قبيل المغادرة بتوديع أصدقائنا في الغرفة والذين قاموا بالبكاء فرحاُ لبرأتنا وحزناُ على مفارقتنا .

ذهبت برفقة والدي حينها لشكر المشرف مصعب على جميع ما قدمه من خدمات لي ,, وسألني أن كان لدي شيئاُ أقوله ,, فأخبرته أنني أملك عدداُ من الأصدقاء السيئين << الحين صاروا سيئين ,, وأتمنى تواجدهم في هذه الدار ليس كرهاُ لهم ,, ولكن ليتعلموا ويفهموا حقيقة الحياة ,, ويعوا حجم ما يقومون به من أفعال سيئة للغايه .

أجابني المشرف مصعب قائلاُ (( لا تخاف يالقبطان ,, صدقني راح يجبيهم الزمن هنا ,, وأذا ما جابهم الزمن وما تعلموا من أخطائهم صدقني راح يكون مستقبلهم سيئ ))

الآن أتذكر حديثه وأتذكر حال أصدقائي السابقين ,, بعضهم دخل تلك الدار وأمضى فترة تجاوزت العامين ,, وبعضهم لم يتواجد خلف القضبان في حياته ولكنه أصبح مدمناُ للمخدرات ,, والبعض منهم تعرض لموقف قووي كحادث شنيع تعرض له مع أصدقاءه الذين أضحوا في إعداد الموتى حالياُ ,, وكان ذلك الموقف نقطة لتغيير مساره للأفضل .

سمعت صوت صديقي أبو عبير يناديني ويطلب مني الدخول للملعب بدلاُ عنه وذلك لأن الشوط الثاني على وشك البدء.

قمت أنا وصديقي المبتسم عبدالرحمن لأجراء عمليات الإحماء , والذي كان مستمتعاُ للغاية بحديثي أسوة بالأطفال الصغار الأربعة ,, وقبيل توديعنا للأطفال طلب مني عبدالرحمن إلقاء نصيحة للأطفال الأربعة والذين كانوا يطلبون مني المكوث معهم ليتحدثوا لي ,, ولكني اعتذرت منهم ومخبراُ إياهم بأنني أعلم عن جميع مايودون قوله ,, وقمت بأعطائهم هذه النصيحة (( حاولوا تستفيدوا من الدرس اللي خلاكم تفارقون أهاليكم وتجلسون هنا مثل المساجين ,, أذا ما استفدتوا الحين وتغيرتوا للأفضل صدقوني راح يكون مستقبلكم جداُ سيئ ومظلم ,, أنا استفدت من ثلاث أيام قضيتها في هذا الدار وغيرت سلوكي وانضباطي ومعاملتي للناس للأفضل ,, وأنتم هنا صار لكم أيام وباقي لكم أيام وأسابيع وشهور ,, ولازم تستفيدون من الدرس أكثر مني ,, مع السلامه ))


أثناء أجرائي لعمليات الإحماء قبل النزول للملعب سألني عبدالرحمن ما الذي فعلته بعد خروجي من دار الملاحظة ذلك اليوم فأجبته (( ذهبت أركض باتجاه أمي مقبلاُ جبينها ,, ومخبراُ إياها بأنني سأتغير للأفضل ,, ورأيت العاملة الشرق أسيويه تقوم بأعداد وجبة الغداء فقمت بشكرها وأخبرتها بأنني جائع وبأنني سألتهم جميع ما أعدته لي ولأفراد الأسرة , وانطلقت بعد ذلك للمسجد بعد سماعي لأذان صلاة العصر في حادثة فريدة من نوعها ,, لأنني أعتدت الذهاب للمسجد بعد سماع الأقامه فقط .
وجدت على طريق المسجد صديقي المشاكس ناصر ,, كان سعيداُ لخروجي من دار الملاحظة ,, وقمت بأخباره بأن أحمد هو من قام با إلصاق التهمة بي ,, فطلب مني الذهاب لتلقين أحمد درس قاسي على فعلته ,, فا أخبرته أنني سامحت أحمد على ما فعله ,, في موقف تفاجأ منه ناصر ,, وسألني أذا كان خوفي من العودة الى دار الملاحظة له دور في عدم اقتصاصي من أحمد ,, فأخبرته بأن دار الملاحظة قامت بجعلي أنساناُ ناضجاُ وأخلاقي ,, ولم تجعلني كما وصفني بالشخص الجبان
.

لا أنسى صيحات الأطفال الأربعة ومساندتهم لي أثناء تواجدي في الملعب ,, ولا أنسى مخالفتهم لأوامر الدار وقيامهم بلحاقي وتوديعي قبيل خروجنا من دار الملاحظة الأجتماعيه ,, وكلمة محمد لي (( تكفى يالقبطان نبيك تحرق لنا الدار مثل ما أحرقت المدرسه الثانويه ))

الله يكون بعون الأطفال الأربعه وعون أهاليهم ولا أستثني من دعائي جميع الأطفال الذين يقبعون خلف أسوار دور الملاحظة الأجتماعيه في هذا الوطن .

الآن وبعد مرور عشر سنوات ,, أحب أن أشكر جميع الأشخاص الذين ساندوني ودعموني نفسياُ ومعنوياُ بعد خروجي من دار الملاحظة الأجتماعيه ,, ولا ألوم الإباء الذين منعوا أبنائهم من مرافقتي بعد خروجي من الدار ,, وحرموهم أيضاُ من سماع نصائحي وتجربتي المريرة في دار الملاحظة الأجتماعيه .


يوجد لدي ما أقوله لعبدالرحمن ولجميع من يعرف القبطان ولجميع من يعرف طفلاُ أو شاباٌُ في دار الملاحظة الأجتماعيه ,, أو رجلاُ في السجن يقضي فترة عقوبته (( جميعنا غير معصومين عن الخطأ,, وجميعنا نحتاج المساعدة وقت الضعف ووقت الخطأ ,, لنساندهم بعد خروجهم ونقف بجوارهم ,, لنخبرهم أن خير الخطاءون التوابون ,, ونسمع ونتعلم منهم معنى الحرية ومعنى القيد والحبس ,, لنترك النظرة السلبية والمعاملة والكلام القاسي لأنه سوف يزيد الأمور تعقيداُ وتدميراُ ,, وسوف يهدم ولن يبني أطلاقاٌ ))

قبل الختام أريد رأيكم في قرار أتخذه والد أحد الأشخاص الذين تعرفت عليهم في الدار ,, عندما قام بوضع أبنه في الدار لمدة تجاوزت الثلاث أشهر هذا قبيل دخولي للدار ,, ولا أعلم كم المدة التي قضاها بعد خروجي من الدار ,, ولكن الذي أعلمه أن قرار والد ذلك الشاب أتى كعقوبه لأبنه بعد رجوعه في أحد الليالي للمنزل ثملاُ مع العلم أن عمر ذلك الشاب لم يتجاوز السابعة عشر حينها ,, ناهيك عن قيام أبنه بعدد من عمليات السرقه والقيام أيضاُ بالعديد من المشاجرات ,, وقام والده بأتخاذ ذلك الأجراء بعد ما ضاق به الحال من تصرفات أبنه ,, ولم يعد قادراُ على تعديل سلوكه ,, لذا كان يرى بأن دار الأحداث هي السبيل الوحيد بعد الله في تحسين عقلية وسلوك وطباع أبنه .








اسف على الأطاله

تقبلوا تحياتي
فتكوا بعافيه

تقييمك للمدونة ؟؟