الأحد، 22 يوليو 2012

" ثم لتسئلن يومئذً عن النعيم"


" ثم لتسئلن يومئذً عن النعيم"
ضمن سلسلة "رافعيات الجمعة" 




جمعتني الصدفه مع أحد الأصدقاء في احد المجمعات التجارية ,, وبعد الالتقاء به أخبرني بأنه ذاهب ليشتري ساعة يد من أحد المحلات المعروفه والتي تقدم أفضل انواع الساعات .
رافقته الى ذلك المحل , وبعد وصولنا للمحل ذهب رفيقي الى أحد الزوايا في ذلك المحل ,, وأشار لي تجاه الساعة التي أتى من أجلها .
سألت الموظف عن سعر الساعة فأخبرني بأن قيمتها الف ريال ,, وكان صديقي يحاول أقناع ذلك الموظف ليصبح سعر الساعة ثمان مائة ريال ,, خصوصاُ أنه اشترى نفس الساعة كهدية منذ فترة ,, وأصبح زبون لهذا المحل .

بالنسبة لي كنت أعتقد أن سعر الساعة مبالغ فيه ,, وأنه من المبالغة لو دفعت مبلغ يتجاوز الخمسمائة بساعة قد أنساها في دورة مياه لمسجد , أو على طاولة لمطعم ,, فأنا إنسان مشهور بكثرة النسيان .
ولأنني في الفترة الأخيرة أصبحت من عشاق الساعات وأنا الذي كنت أكرهها كرهاُ كبيراُ قبل أسابيع ,, قررت شراء ساعة مشابهه للساعة التي أتى صديقي لشرائها .
أخبرت الموظف بأننا سوف نأخذ منه ساعتين ,, لذلك لابد من الخصم ,, واخفاض السعر ,, وأضفت بأننا سوف نأخذ منه الساعة الواحدة بثمان مائة ريال .
أصر موظف المحل على سعره وهو تسع مائة ريال للساعة الواحدة .

أثناء نقاش صديقي مع ذلك الموظف تواجدت فتاتين في المحل ,, وذهبوا الى زاوية محدده في المحل ,, وقالت أحدى الفتاتين لصديقتها "هذي الساعة اللي قلت لك عنها ,, وش رأيك فيها ؟ "
صديقتها : ما شاء الله ,, والله حلوه , خذيها بدون تردد .
طلبت الفتاة من الموظف أن يخرج لها الساعة حتى تشتريها , وقام موظف المحل على الفور بتجهيز الساعة وتسليمها للفتاة التي كتبت له شيك ,, وأخذ منها الشيك وتمنى لها التوفيق ,, وغادرت الفتاة وصديقتها المحل بعد ذلك .

بعد خروج الفتاتين قال لنا موظف المحل : شوفوا الزباين الحلوين , جوا اشتروا وبدون مكاسر ومشوا ,, ولو تعرفون بكم سعر الساعة اللي اشتروها يمكن ما تصدقون ؟؟
أنا وصديقي بنفس اللحظه : بكم الساعة ؟؟
موظف المحل : ب43 الف ريال ,, وهذا الشيك اذا تبون تتأكدون .
بالتأكيد لم أصدق ما قاله لنا ذلك الموظف الى بعد أن رأيت الشيك بأم عيني .
قلت لصديقي : أقول شوف الناس جوا اشتروا ساعة ب43 الف وبدون مكاسر ,, وحنا باقي شوي ونحب يده عشان ينزل لنا ميه ريال من المبلغ .
ضحك موظف المحل وقال : كرمال هالبنت اللي أشترت الساعه خلاص أنا وافقت على سعركم ,, وخذوا الساعات بالسعر اللي تبونه .
قمنا بإخراج النقود أنا وصديقي ,, وما هي إلا ثواني حتى عادت الفتاة التي اشترت الساعة ب 43 الف لتطرح سؤال على موظف المحل بخصوص ساعة أخرى ,, وضعنا نقودنا في منديل وقمنا بتسليمه لموظف المحل ,, حتى لا ترى تلك الفتاة تلك النقود ونكون مصدر شفقه بالنسبة لها .

قبل خروجنا سألت موظف المحل عن نوعية وكمية زبائنه ,, فأخبرني بأنه بالعادة يأتي اليه اثنان أو ثلاث زبائن يومياُ مثل تلك الفتاة ليقتنوا ساعات بقيمة تتراوح بين ال 30 /50 الف ريال 
وأضاف بأنه قبل أسبوع أتى اليه شاب في مطلع الثلاثينيات وسأله عن ساعة معينه ,, سعرها مليون ومائتين الف ريال ,, وخرج من المحل ,, ولكنه عاد بعد ساعة بشيك يحمل ذلك المبلغ ليقتني الساعة .

جميع علامات الذهول والدهشة تواجدت في محياي أنا وصديقي ,, وأول ما خطر في بالي هو : مليون ومائتين ألف ريال يعني أغلى من تكلفة بناء بيتنا . 

خرجت من ذلك المحل وأنا غير مصدق لما شاهدته عيني قبل قليل ولما سمعته أذني أيضاُ .

لا أخفيكم سراُ بأنني كرهت الساعة التي اشتريتها لسبب غير معروف ,, وإنما شعور بداخلي كان يطلب مني عدم ارتداء تلك الساعة .
مر يوم على اقتنائي تلك الساعة ولم أرتديها .

في عصر اليوم التالي قمت بزيارة صديقي في العمل جوبي مندوزا الذي يتواجد منذ اسابيع في قسم العناية المركزه,, والذي أصابته جلطه في المخ قبل شهر ونصف تقريباُ ,, وهو الذي كان يجهز للعودة الى بلاده الفلبين ,, بعد مرور ما يقارب ثلاثون سنه على تواجده في هذا البلد .
قبل أسبوعين أجرى جوبي عملية فتح مخ ,, ورغم نجاحها إلا أنه لم يعد كما كان قبل العملية ,, حيث أنه لم يعد يتذكر أي حدث في حياته قبل فترة التسعينات الميلادية ,, وعندما سأله احد الزملاء عن العام الذي هو فيه الان أجاب بأنه في عام 1988 م
جوبي مندوزا رجل ستيني في قمة الاحترام ,, ويشهد له جميع موظفي الشركة بأنه إنسان واضح وأمين وصادق ,, أفنى حياته في الغربه عن أبناءه وأحفاده من أجل لقمة العيش له ولهم .

وصلني تقرير عن مستحقات جوبي بعد العمل في الشركة لأكثر من عشرون عام ,, وكان أجمالي مستحقاته 97 الف ريال .
وراتبه الشهري لا يتجاوز 2500 ريال
يعني بحسبه أدق ,, تعب جوبي وغربته وجميع ما وجهه من مشاكل منها فقدانه للذاكرة يساوي 700 الف ريال ,, أي أقل ب 500 الف من سعر تلك الساعة .


كانت هذه التحليلات تدور في مخيلتي وأنا أرى حال صديقي جوبي ,, وأسفت لحاله كثيراُ وهو غير مسلم ,, فما بالكم بإخواننا المسلمين الذين يعانون الامرين جراء الفقر والحاجة .

عدت في اليوم التالي للمحل وأعدت الساعة وأخذت مبلغي ,, واشتريت ساعة بثلاث مائة ريال ,, و وضعت المبلغ المتبقي كصدقه لأحد الاسر المحتاجة ليعينها على شراء متطلبات الشهر الفضيل ,, 
وأدعي الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتي وموازين حسنات كل شخص فعل مثلي أو حتى نوى ذلك .

أنا لم أكتب هذا الموضوع وهذه المواقف حتى يقال أن عقيل فعل ذلك لأن الله وحده أعلم بالنوايا , ولكني كتبت هذه المواقف وهذا الموضوع حتى أساعد في تنوير وإقناع البعض بطرق التعامل مع المال ,, ومعرفة أماكن وضعه وصرفه .

لأنه ليس من المعقول أن أشتري ساعة بمبلغ يتجاوز الخمسين ألف ريال وأنا أرى أخواننا المسلمين في سوريا والصومال وبورما يعانون الأمرين .
فلذلك من الافضل أن أشتري ساعة بمبلغ عشرة ألاف وأتصدق بباقي المبلغ ,, على أمل أن يكون ذلك التصدق شفيع لي يوم القيامة .

كتبت هذا الموضوع وأنا أتذكر ذلك الاتصال الذي سمعته من احد الاخوان على احد قنوات الراديو وهو يقول "الحمدلله أنا ما عمري عطيت احد من اللي يشحثون في الشوارع أي مبلغ ,, حتى لو كانت مخباي فيها فلوس"
يفتخر بأنه يحرم نفسه من الاجر والخير وكل ذلك من أجل شكه واعتقاده أن خلف كل شخص متسول جمعيه وشركه كبيره لتوظيف ذلكم المتسولين .
وكأنه نسي قول الرسول الأعظم "أنما الاعمال بالنيات , وأنما لكل أمرء ما نوى ... الخ الحديث"

أن أقوم بإعطاء نقودي القليلة لعجوز تقف تحت اشعة الشمس الحارقة أمر غير عادي وغير حضاري ,, ولكن عندما أقوم بعزيمة احد الاصدقاء على مطعم عالمي يقوم ببيع علبة المشروبات الغازيه بضعف سعرها خمس مرات أمر عادي جداً ولا يوجد فيه ريبه أو شك .

أنا ما كتبت هذا الموضوع عشان يقول البعض عقيل يبينا نصير بخلاء ما نصرف فلوسنا إلا بالصدقه ,, أنا اللي أبي أقوله لك "أعرف وين تصرف فلوسك"
يعني مو حرام لو تشتري سيارة قوية ومعروفه بمبلغ مرتفع ونفس الشيء للمنازل والأجهزة ,, ولكن من المخزي أن تقوم بارتداء شيء صغير تقدر قيمته بالالاف و لن يغير في مستقبلك وحياتك شيئاُ .

في زمن الصحابه والتابعين رضوان الله عليهم كانوا يتصدقون ويفعلون الخير رغم عدم وجود مغريات ومحرمات وقنوات تزيد من الذنوب والاثام ,, مثل التي توجد في زمننا الحالي , والتي هي سبب في جعلنا نعصي الله بشكل يومي ,, لذلك نحن بحاجه ماسه الى التبرع والتصدق اضعاف مضاعفه لكي يرضى عنا الخالق ويغفر لنا الزلات والخطايا .

أخيراُ هذه رسالتين مني لذلك الشاب الذي اشترا الساعة بمليون ومائتين الف ريال :
الأولى : من المخجل أن يرتدي الشخص ساعة أغلى منه ,, لأنك مثلاُ لو قتلت بغير العمد لن يتجاوز مبلغ الديه لك حاجز الثلاث مائة الف ريال ,, أي أن الساعة أغلى منك بثلاثة اضعاف .


الثانية : تذكر قوله تعالى " ثم لتسئلن يومئذً عن النعيم"

كل عام وأنتم بخير
وموعدنا الجمعه القادمة بأذن الله

تقييمك للمدونة ؟؟