الأحد، 30 سبتمبر 2012

"عندما تكون الوحدة رحمة"

"عندما تكون الوحدة رحمة"
رافعيات الجمعة



"التفاحة الفاسدة"
جلسات أرضيه أشبه بالمتاهات في تلك القهوة الشعبية ,, والشباب يتواجدون في هذه الأماكن بكثرة هروباُ من ضغوط الحياة والأمور الرسمية ,, وبحثاُ عن الراحة ولعب الورق والعاب الفيديو ,, ولكن الأغلبية أتوا الى هنا بحثاُ عن "المعسل"
جلست أنا وصديقي سلطان بأحدي تلك الجلسات ,, وأخرجنا جهاز العاب الفيديو من الحقيبة , لكي نبدأ سهرتنا باللعب في ذلك الجهاز .
وما هي الا دقائق حتى أتى ثلاثة شباب وجلسوا بالجلسة التي بجانبنا ,, وكان الهاتف النقال لأحدهم يرن طوال الوقت ولا يرد على تلك المكالمات بطلب من أصدقاءه .
بعد ما يقارب ساعه على وجودهم بجوارنا ,, دخل شاب في قمة النحافة الى القهوة ,, وفتشت أنظاره عن أشخاص معينين أتى لهذه القهوه من أجلهم .
بعد لحظات وجد ذلك الشاب ما يبحث عنه ,, والذي كان يبحث عنه هم الشباب الثلاثة الذين كانوا يجلسون بجوارنا ,, ما أن شاهدهم حتى ابتسمت شفاه وبانت أسنانه البيضاء ,, ثم قال بصوت عالي "أنتوا هنا يالزلاااايب ؟؟"

"أمتعاض , حنق , انزعاج , تضايق" جميع تلك الكلمات توصف ما كان يجول في محيا الشباب الثلاثة بعد رؤيتهم لصديقهم النحيل .
بعد اقترابه منهم كان لا يزال يوجه استفساراته لهم با الفاظ بذيئة قائلاُ : "يا عيال اللذينا ليه ما تردون على اتصالاتي ؟؟ من المغرب أدق عليكم واحد واحد ولا فيكم احد يرد علي ؟؟ كنت حاس أني هنا والحمدلله أني لقيتكم"
كان الثلاثة يشخصون أنظارهم تجاه التلفاز ويمسكون بأيديهم "لي المعسل" ويتجاهلون صوت وكلمات صديقهم النحيل .

أستمر النحيل بالضغط عليهم وقال "يا وليد ليه ما تردون علي ؟؟ أكلمكم من اليوم وأنتوا مطنشين"
وليد : ياخي جوالي على الصامت وما شفت اتصالك .
النحيل : طيب وأنت يا بندر لا تقول بعد أن جوالك على الصامت بعد ؟؟ 
بندر يرد بصوت هادئ خلفه الكثير من كتمان الغضب : أيوه جوالي كان على الصامت , عندك شيء ؟
النحيل : اهاااا ,, وأنت يابو خشم لا يكون جوالك على الصامت بعد ؟؟
لم يجب احد على كلامه .
النحيل : أنت يا عبدالله ,, ليه ما رديت على مكالماتي ؟؟ جوالك على الصامت بعد ؟
عبدالله : أول شيء زين أنك قلت أسمي ,, لأن أسمي عبدالله موب أبو خشم ,, ثاني شيء أنا شايف اتصالك ,, حتى بندر ووليد بعد شافوا اتصالك بس ما نبي نرد عليك .
النحيل متفاجئ : افاااااااا ,, ليه وش صاير ؟؟
بندر : ياخي تراك غثه ,, وما نبيك تمشي معانا ,, صار لنا كم يوم نلمح لك ولكنك ما تفهم ,, وياليت تمسح رقمي من جوالك ,, لأني ما يشرفني معرفتك .
النحيل : هاااااااه ,, تتكلم من جدك ؟؟
عبدالله : بندر صادق ويتكلم من جده ,, وياليت تمسح رقمي أنا بعد .
وليد : لا تمسح رقمي ,, الا أبيك تمسح معرفتي وكل شيء تعرفه فيني .
في تلك اللحظة كنت منحرج جداُ ,, ونفس الأمر لصديقي سلطان ,, ونفس الأمر أيضاُ لكل المتواجدين بالقرب من الشباب الثلاثه ,, والذين شاهدوا وسمعوا ما حدث في تلك الجلسة .

صمت النحيل لبرهه ,, ثم أدمعت عيناه ,, وبعد نزول تلك الدمعة على محياه قال بصوت مبحوح "اييييه" ثم نهض من مكانه ,, معلناُ مغادرته لتلك الجلسة .

حنقت كثيراُ على الشباب الثلاثة ,, وكانت امنيتي في تلك اللحظة إصدار حكم الإعدام فيهم أجمعين ,, لأن ما فعلوه بصديقهم النحيل لا يسر حتى أعداءه .
ولكن هي لحظات حتى بانت جميع الأمور بالنسبة لي أنا وصديقي سلطان ,, بعدما سمعنا ذلك النقاش الذي دار بين الشباب الثلاثة بعد مغادرة صديقهم النحيل .
بندر : ما تحسون يا شباب أننا قسينا شوي على صالح ؟؟
وليد : صدقني يابندر ما ينفع مع هذي النوعيات الا هذا الأسلوب .
بندر : طيب لو علمناه بالاسباب اللي مضايقتنا منه كان أرحم من هذا الأسلوب .
عبدالله : والله يا بندر تعبت معاه ,, اخر شيء قبل اسبوع مسكته على انفراد وقلت له ياخي حسن الفاظك ,, وحسن اسلوبك ,, ترى حنا كبرنا وبعضنا دخل سن الثلاثين وأنت للحين تقول الفاظ حتى المراهقين يستحون يقولونها , كان يقول أنه تعود على هذا الاسلوب وهذي الالفاظ في الديرة لما كان يدرس عند خاله ,, وصعب يتغير ,, صار ما فيه حل لنا الا أننا نتخلى عنه ,, والا صدقوني لو أستمرينا معاه مع الوقت راح نصير مثله ,, ولا تستغربون لو صرتوا تسمعوني أناديكم يالكلاب "الله يكرمكم"
وليد : أنا أتفق مع عبدالله ,, حنا يا بندر نعرف بعضنا من ايام الثانوي , وبيننا ميانة ومزح بس ما توصل للألفاظ اللي يقولها صالح ,, أنا تأثرت فيه وصرت في المدرسة أنادي بعض طلابي ب "الزلايب" مع أني ضد هذا اللفظ وهذا الأسلوب .

وسمعت قصص منهم ومواقف حدثت من ذلك النحيل المسمى بصالح ,, والذي أصبحت ضده بعد الذي سمعته عنه من الشباب ,,لأنني سمعت منه الفاظ نابيه خلال الدقائق القليلة عند جلوسه مع اصدقاءه "السابقين ".



تأثير الأصدقاء :
مجموعة مكونه من ستة أشخاص ناجحين وأصحاب نشاطات تجارية ,, أنضم لهم شاب ليس له نجاحات وبدون أهداف ,, تعلق بهم , وأصبح قريباُ كثيراُ منهم ,, هل تعتقدون أنه بعد مرور سنه سيبقى حال ذلك الشاب على ما هو عليه من التخبط والركود ؟؟
الجواب الوحيد بكل تأكيد هو أن ذاك الشاب سوف يتغير ويصبح أفضل ويصبح صاحب اعمال تجاريه وله اهداف .

هذا ما يعني أن البيئة والأصدقاء أثروا فيه .

لنفرض العكس
مجموعة مكونه من خمسة أشخاص ليس لهم اهداف وطموحات ,, جدولهم اليومي الالتقاء والتجمع في احد الاستراحات ,, لعب بالوت , لعب بلايستيشن , الحديث عن الناس وغيبتهم ,, جميع مخططاتهم تدور حول المتعة الوقتيه ,, أنضم لهم شاب طموح وله أهداف وأفكار رائعة ,, هل تعتقدون أنه بعد مرور سنه سوف يبقى حال ذلك الشاب صاحب الطموح والاهداف على حاله ؟؟
الجواب الوحيد بكل تأكيد أيضاُ أنه سوف يتعرض لمحاولة تحطيم من تلك المجموعة حتى يصبح مع مرور الاسابيع والشهور الى شاب بدون طموح وبدون اهداف وبدون ثقه .

اذاً لاحظ الجميع أن الاغلبية يسيرون الأمور على الفرد ,, لذلك على الفرد اختيار خيار واحد بين أثنين :
1- أما ينضم للأغلبية ويصبح مثلهم رغم تعارضه معهم في المبدأ أو الفكرة أو القناعة أو الأخلاق .
2- أن يضحي بتلك المجموعة ويبتعد عنهم ويستفرد ب أراءه طالما أنه يؤمن بصحتها ومنطقيتها .

المراهقين :
وردت أكثر من رسالة لإيميلي قبل شهور من أمهات وأخوات بعد كتابتي لموضوع "البويات"
وكان محتوى أحدى تلك الرسائل هو : "أنا عندي بنت بويه ,, كيف تعتقد أني أقدر أغيرها وأخليها تبتعد عن هالطريق , مع العلم أني جربت جميع الطرق معها ولكن لم تنجح"
واذكر تلك الرسالة التي وردتني من فتاة تطلب مني حل لأخيها المراهق الذي تغير بعد وصوله للمرحلة الثانوية وأصبح عنيد وحاد الطبع وكثير المشاكل وتغيرت كثيراُ من قناعاته وتربية والدتي ووالدي فيه .

كان جوابي لجميع تلك الرسائل هو نفس الجواب وهو "معرفة نوعية أصدقاء أبنائهم"
وكأن جوابي مستمد من القاعدة الشهيرة "أخبرني من ترافق ,, أخبرك من أنت"

فتلك البنت التي تمردت على طبيعتها الأنثوية ولجئت الى تقليد الشباب في مظهرهم وافعالهم بالطبع تأثرت بالأعلام وتأثرت بظروف نفسيه ولكن أغلب التأثير كان يكمن في "صديقاتها"
ونفس الأمر للمراهق الشاذ ,, أو المراهق عاشق التفحيط ,, أو المراهق عاشق العاب الفيديو , أو المراهق عاشق الافلام والاغاني الأجنبية , أو المراهق الملتزم دينياُ ودنيوياُ ,, فكل شخص فيهم تأثر بمجموعه تعرف عليها في ظرف نفسي مر فيه .

وبإعتقادي أنه من الظلم عندما نسمع الفاظ خادشة للحياء من احدهم أو تصرف غير مقبول أن نلقي باللوم على تربية الأهل فقط ,, لأنه من المحتمل أن يكون تلقى افضل تربية في المنزل ,, وبنفس الوقت تعلم اقذر الالفاظ والسلوكيات خارج المنزل من أصدقاء السوء .



البدانة
بالأمس القريب شكى لي صديقي ريان من عدم نجاح خطة الريجيم التي كان يتوقع ان تقلل من وزنه المتزايد ,, فكان جوابي له "أترك أخوياك في العمل أوقات الفطور والغداء ولا تحتك فيهم وحاول تبتعد عنهم وصدقني راح تنجح محاولاتك ,, لأنك تعمل في قطاع عسكري , والعساكر معروفين بأن أغلبهم يهملون رشاقتهم ولا يكترثون بالمطبات الصناعية التي تشوه منظر أجسادهم"
فلم أندهش عندما أخبرني أنني صادق بما قلته ,, لأن أصحابه في العمل يحرضونه على تناول "الكبسة " معهم بشكل يومي ,, ويخبرونه أيضاُ بأن جسمه مقبول وأنه لم يصل لمرحلة البدانة المفرطة لكي يبدأ خطة الريجيم .
عندما كان يتحدث ويشكو لي معاناته ,, كنت أتذكر بنفس الوقت اصدقائي اللبنانيين في العمل سابقاُ "رالف والان وجاد" الذين كانوا يتحدثون كثيراُ عن بدانتي ,, وأن البدانة سبب في بشاعة محياي ,, وكانوا يخبروني بأنني لو خسرت وزني سوف أصبح بمظهر مختلف أفضل من ذلك المظهر وبمراحل .
رالف كان يساندني وشجعني كثيراُ على اجراء العملية ,, وقبل أجرائها عندما كنت أتخوف وأتأثر بالكلام السلبي عن العملية كنت ألجئ لصديقي رالف الذي كان يزيل تلك المخاوف من داخلي ,, ولا أنسى عندما جلس معي قبل أجرائي للعملية بيومين لأكثر من ساعتين وكان يرفع من معنوياتي بكلامه واسلوبه الرائع .
حتى أن صديقنا ابو جودة كان يجبرني على مرافقته لمحلات "زارا" ليريني جمال ملبوسات تلك الماركة ,, والتي سوف ارتدي الكثير من منتجاتها بعد أجرائي للعملية وخسراتي لتلك الدهونه المشوهه لجسدي .


في النهاية إعلم عزيزي القارئ بأنك سوف تتأثر بالبيئة التي حولك رغماُ عنك ,, لذلك إذ كنت تعتقد بأن أصدقائك سبباُ في ترديك الدراسي أو الأخلاقي أو العملي أو البدني فأهجرهم ,, فأنت بذلك تبر بنفسك وبوالديك وبعائلتك ,, وقربك منهم مع علمك بسوئهم دليل على أنك تكره نفسك ,, ولا تثق فيها .



"العيش وحيداُ أفضل من العيش مع من يجلبون المتاعب ويدمرون الإخلاق"
عقيل الرافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقييمك للمدونة ؟؟