الجمعة، 25 نوفمبر 2011

(( يا بوي وش معنى تفضل ؟؟ ))

(( يا بوي وش معنى تفضل ؟؟ ))


كانت تلك المحاضرة هي خاتمة المحاضرات في نهاية ذلك الفصل الدراسي ,, المحاضرة التي جعلها مدرس المادة وقت للمصارحات وللحديث بشكل عفوي وصادق عن السلبيات والايجابيات التي كنا نواجهها مع المادة التي كان يدرسنا إياها .

قررت أن أغير مسار الحديث العلمي الممل بسؤال شخصي للمدرس وبعيداُ عن أجواء الدراسة وكان سؤالي هو :
لطالما انتقدت شباب هذا البلد وأنهم غير مبالين في الحصول على العلم وانتهاز الفرص التي تسنح لهم ,, من بين جميع ما رأيته في هذا البلد الم تجد ولو ايجابية واحده في شباب هذا البلد ,, أمر ايجابي لم تجده في البلاد الأخرى ومنها في بلادك ؟؟

كان جوابه عندما قال : نعم ,, وإذا حبيت تعرف الأمر الايجابي أسمع هذا الموقف :

في بدايات العام 2000 تواجدت في جنوب المملكة العربية السعودية وتحديداُ في مدينة نجران للعمل كمدرس في أحدى المدارس المتوسطة هناك.
تأقلمت على الوضع في تلك المدينة بعد شهور وأعجبت كثيراُ بسكانها وطيبتهم وصلة الرحم بينهم .
حدث لي موقف شدني ولم أنساه حتى هذه اللحظة ,, وكانت بداية الموقف أمام منزل صديق من أهل مدينة نجران قام بدعوتنا لتناول فنجان القهوة في منزله بعد صلاة المغرب .

تواجدت في مغرب ذلك اليوم أمام منزل ذلك الصديق النجراني برفقة زميل لنا مصري يعمل مدرس رياضيات في نفس المدرسة .

بعدما طرقنا باب منزل صديقنا ,, خرج لنا طفل لم يتجاوز التسع سنوات ,, قام بالترحيب بنا والسلام علينا وكأنه يعرفنا منذ سنين ,, ثم طلب منا الدخول إلى المنزل رغم أنه لا يعرفنا ونحن لا نعرف من يكون .
رفضنا الدخول أنا وصديقي خشية أن يكون ذلك المنزل ليس منزل صديقنا النجراني وقد نكون أخطاءنا في العنوان .
ولكن بعد سؤالنا لذلك الطفل عن إذا ما كان صاحب هذا المنزل هو محمد بن صالح ,, أجابنا بأن محمد بن صالح والده ,, ثم قام بسحبي بكل ما يستطيعه من قوه إلى داخل المنزل حتى وصلنا معه إلى مجلس الرجال .
بعدها بلحظات أتى صديقنا محمد صاحب المنزل ورحب بنا كثيراُ .
أخبرناه بأنا تفاجئنا من أسلوب أبنه في الترحيب في الضيوف وبأننا بتنا نشك بأنه (قزم) وعمره يتجاوز العشر سنوات .

ضحك صاحبنا كثيراُ بسبب الشكوك التي راودتنا ,, ثم أخبرنا بأن أبنه صالح لم يتجاوز السبع سنوات .

ما هي إلا لحظات حتى عاد إلينا ذلك الطفل وبرفقته (القهوة والشاي وصحن التمر) ولم يكتفي بالترحيب بنا ثم أعاد الترحيب بنا وقال لنا بالحرف (( والله أنها أبرك الساعات اللي شرفتوا فيها منزلنا ))
وضع صالح التمر أمامنا ثم بدا يصب لنا القهوة ,, وفي تلك الأثناء قام والده محمد بتعريفنا له ,, وأخبره بأننا زملاءه في المدرسة .
كان رد أبنه : ((والله والنعم فيهم))

مر الوقت بسرعة ونحن نتجاذب أطراف الحديث مع صالح أبن صديقنا ,, وكأننا جئنا لزيارة الابن وليس لزيارة الأب الذي أهملناه وكان دوره في ذلك الوقت هو توزيع الابتسامات فقط .

توقفنا عن الحديث بعد ارتفاع أذان صلاة العشاء ,, قررنا حينها الاستئذان من زميلنا محمد لأننا نود المغادرة لأداء الصلاة ومن ثم العودة إلى الشقة التي نقطن فيها .

كان الرد من الطفل صالح وليس والده عندما قال (( والله ما تروحون إلا بعد ما تتعشون ,, أنا قلت لأمي تسوي عشاء ,, والحين العشاء على النار ))
كنا نتبسم ونضحك وكلنا أمل أننا سوف ننتصر في النهاية على ذلك الطفل الصغير ,, ولكن هيهات ,, لأن ذلك الطفل أنتصر علينا عندما قال لنا (( أنا حلفت أنكم تتعشون عندنا ,, هذي أول مره تجون فيها بيتنا وما يصير تمشون بدون عشاء ,, أنتوا ما ترضون لو جيناكم أنا وأبوي لبيتكم ومشينا وقت العشاء ولا تعشينا عندكم صح والا لا ؟؟))

بعد ذلك الإحراج من الطفل لم يكن بوسعنا سوى الموافقة على تناول العشاء لديهم في المنزل .
أدينا صلاة العشاء ,, وبعد الصلاة عدنا لمنزل صديقنا ,, وعدنا للحديث مع زميلنا محمد .

بعد دقائق تواجد أبنه صالح مرة أخرى معنا في المجلس ,, ثم قاطع أباه قائلاُ :
(( أسمح لي يا يبه بقول أبيات شعر ترحيب في أصدقائك ))

سمح له والده بأن يقول الأبيات ,, وأثناء إلقاءه لتلك الأبيات تذكرت أمر ما ودمعت عيني ومسحت تلك الدمعة ,, ورآني صديقي محمد وأنا متأثر من تلك الذكرى .

بعد انتهاء صالح من إلقاء القصيدة ,, قمنا بالتصفيق له والثناء عليه ,, ثم أخبرنا صالح بأنه يكتب القصائد ويحفظ بعض الأشعار لجده وخواله ,, وأراد أن يسمعنا قصيدة كتبها هو بنفسه ولكن قاطعه والده عندما قال لي :
سلامات يا بسام كأني شفتك تأثرت مع قصيدة الترحيب ,, عسى ما شر .
كان جوابي : لا ما فيه إلا كل خير ,, بس تذكرت شيء قديم .
ثم طلب مني أبو صالح أن أخبره بذلك الشيء إذا أمكن ,, تمنعت عن لأجابه في البداية ,, ولكن بعد إصرار زميلنا المصري ,, أخبرتهم عن ذلك الأمر الذي تذكرته ,, وقلت لهم :

عندما كنت صغيراُ بسن أبنك صالح الله يحفظه لك ,, كان والدي يعاملني بقسوة ,, وكان يقوم بضربي بشكل مؤلم أنا وأشقائي وشقيقاتي عندما نرتكب أي شيء خاطئ .
وكان أيضاُ يقوم في بعض الأوقات بضرب والدتنا أمامنا ,, وكذلك أهانتها ,, وتسميتها ببعض الألقاب السيئة ,, ونفس الأمر بالنسبة لي أنا وبقية الأشقاء ,, كان يطلق على كل شخص فينا لقب سيء للغاية ,, حتى بتنا معروفين بتلك الألقاب السيئة .
ولم يكتفي عند ذلك ,, بل كان يوبخ والدتي عندما تقوم بتدليعنا والتحدث معنا بلطف ويخبرها بأن دلالها لنا سوف يكون سبب في ضياعنا .
ولم يتوقف عند ذلك الحد ,, بل سلب شخصياتنا عندما كان يرفض خروجنا للعب مع أبناء الحي ,, وكان يرفض اختلاطنا مع أبن عمومتنا وأقاربنا ,, وكان يرفض تواجدنا في مجلس الرجال عندما يزوره أصدقاءه ,, حتى أنني بلغت العشرين دون أن أعرف ولو ثلاثة من أصدقاءه .

منازل قليله كنا نزورها ,, منزل جدي لأبي ,, منزل جدتي لأمي ,, منزل أحد أصدقاءه المقربين له .

في أحد الأيام طرق باب منزلنا شخص غريب ,, فتحت له الباب وقلت له نعم ؟؟ أبتسم في محياي ثم سألني عن أسمي ,, وبعد ما عرفته بنفسي سلم علي بحرارة ,, ثم قال بأنه خالي ابراهيم الذي كنا نسمع به ولم نراه ,, وذلك لأنه كان يتواجد في بلد خليجي للعمل فيه .
أندهش خالي من طريقة استقبالي له ,, لأنني لم أقل له حتى كلمة (( تفضل ))
لم أقلها بسبب عدم رغبتي في استضافته في منزلنا ,, ولكني لم أقل تلك الكلمة لأنه لم يسبق لي أن استخدمت تلك الكلمة من قبل ,, على الرغم من أنني كنت أبلغ السابعة عشر حينها .

لو تجولت في عقلية وفؤاد أشقائي وشقيقاتي سوف تجد أشياء مشتركه كثيرة (( خوف من الآخرين ,, حذر ,, حقد ,, كراهية ,, أنانية ))

ولو تمعنت ودرست شخصياتهم لن تجد شخصية من الأساس  .

أكبر شقيقاتي لم يدم زواجها أكثر من نصف عام لأن زوجها لم يعد يستطيع أن يتحمل زوجه (( ليست اجتماعيه ))
ومازلت أذكر كلام والدته لوالدتي بأن أبنها قرر الانفصال بعدما حاول وحاول وحاول تعديل تلك العقلية الانطوائية والخائفة لشقيقتي ولكنها لم يستطع ,, وبات يخشى أن تنجب له أطفال قد يكونوا نسخاُ منها مستقبلاُ .

كذلك الحال لشقيقاتي العوانس ,, يرفضن الزواج والخروج من منزل العائلة خوفاُ من المجهول الذي أوجده والدي في عقولهن .

شقيقي الذي يصغرني في السن فضل الخروج من البلد والعمل في احدى دول الخليج هروباُ من والدي ومن تعامله السيئ معنا ,, وعاد لنا بعد مده شخصية قويه ,, ونفسيه أكثر ارتياحا .

وهكذا فعلت أنا عندما أتيت لهذه البلاد .

هنا انتهى الموقف في نجران ,, وعاد الحديث في الدمام ,, وقال المدرس للطلاب ولي تحديداُ :
يا عقيل أتوقع أنك عرفت الشيء الايجابي في بلدكم ,, الشيء الايجابي هو أن جميع شباب هذا البلد لديه شخصيه تخصه لوحده وليس تابع لأحد ,, الجميع هنا يستطيع الترحيب بك وإكرامك أن تواجدت في منزله .

ابتسمت بعد حديث المدرس لنا ,, ولو أنني تأثرت بداخلي لرؤية الدمع يتواجد في عين ذلك المدرس أثناء حديثه .
شكرت المدرس على جوابه وعلى ما قاله ,, وكان في فمي ماء منعني من قول ما في جعبتي لذلك المدرس .

الكلام الذي لم استطع قوله للمدرس في ذلك الوقت ,, سوف أقوله لكم الآن :
ذلك المدرس أخطاء عندما قال بأن جميع شباب السعودية يستطيعون تحمل المسؤولية ولديهم شخصيه تخصهم ,, ويستطيعون الترحيب بالضيوف وإكرام ضيوفهم .

فتشوا حولكم أعزائي القراء عن أشخاص انطوائيين وسوف تجدون أكثر من شخص .
أقول هذا وأنا لا أنسى عندما ذهبت لمنزل صديق لي وخرج لي شقيقه الذي يدرس في الجامعة (( بسروال وفانيله )) مع العلم بأنه يعلم بأنني قادم إلى منزلهم لإعطائه شيء يخص شقيقه ,, خرج علي ذلك الشاب بذلك المنظر ,, وقام بالسلام علي بكل برود مع أنني لم أراه منذ سنوات ,, ولم أسمع منه إلا (( أنا بخير ,, تمام)) في الوقت الذي من المفترض أن أسمع فيه كلمات (( الله حيه ,, تفضل ,, كيف الحال )) يقول أي شيء باستثناء كلمات الصمت والارتباك المتواجدة على محياه .

ولا أنسى أيضاُ عندما زرت صديقي المتزوج وتواجدت في منزله لأكثر من ساعتين ثم قال لي (( أعذرني يا عقيل ودي أضيفك ,, ولكن ما أقدر لأن المدام رافضه تسوي شاي وقهوة بعد الساعة 8 ))
أنا ما ألوم زوجتك يا صديقي ,, ولكن ألومك يا صاحب ,, لأنني أخذت موقف سلبي منك وليس من زوجتك ,, وكرهت التواجد في منزلك بعد تلك الكلمات ,, لأنني أخشى أن يصيبني من برودك وقلة السنع لديك ما يجعلني مثلك مستقبلاُ .

في النهاية هذه رسالتين مني :
1 -
ليس الكرم والترحيب في الضيوف وإحسان استضافتهم هياط ,, وليس الإسراف في الفعل أو المبالغة كرم وإنما هو هياط . <<< ركزوا وأفهموا المعنى جيداُ 

2-
لنحرص على إعطاء أبنائنا كامل الثقة منذ الصغر ,, ونعطيهم المجال ليتعرفوا على الأمور ,, ولا يجب أن ننفرهم من الآخرين وخصوصاُ أقربائهم لأسباب ليس لهم علاقة فيها ,, لنمسك العصا من المنتصف ,, لأن الشد والضغط بقوه على عصا التربية ينتج (( شخص انطوائي )) والتساهل والإهمال والدلع ينتج (( شخص مدلل وغير مبالي ))



موعدنا الجمعة القادمة بأذن الله مع موضوع وقصة جديده
أستودعكم الله
وكل عام وأنتم الى الرحمن أقرب
 

هناك تعليقان (2):

  1. ﻓﺘﺸﻮﺍ ﺣﻮﻟﻜﻢ ﺃﻋﺰﺍﺋﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀ ﻋﻦ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺍﻧﻄﻮﺍﺋﻴﻴﻦ ﻭﺳﻮﻑ ﺗﺠﺪﻭﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ .
    ^

    جدآ كلممآت رإيقةة :)
    دمتت بود (F) ,

    ردحذف
  2. استمر ..,
    وانا من اشد المتآبعين لك =)

    (F)

    ,

    ردحذف

تقييمك للمدونة ؟؟