السبت، 14 أبريل 2012

(( إذا انتحرت لا تعذروني ))

(( إذا انتحرت لا تعذروني ))
رافعيات الجمعة



كلمات رددتها كثيراً قبل شهور :
لو كان الأمر بيدي سوف تجدني أعمل في أفضل الوظائف الحكومية .
ولو كان الأمر بيدي لوجدتني الآن متزوج .
ولو كان الأمر بيدي لوجدتني أكتب لك هذه الأسطر من منزلي الخاص والتي تعود ملكيته لي وليس لأي شخص آخر
ولكن للأسف الأمر يعود كله لمن يديرون شؤون هذه البلاد .
صحيح أنني أجد قوت يومي ولكنهم لم يعطوني الذي أستحقه ,, وصحيح أنني أسكن في منزل والدي ولكنهم حرموني من حقي في امتلاك أرض في وطني ,, وصحيح أنني لم ابحث عن الوظيفه ولكنهم لم يهمتوا بأمر توظيف الشاب المواطن .



كنت قبيل شهور من أشد المعارضين على سياسة الدولة ,, وكنت أتحدث وأنتقد وأناظر وأتفوه بكل ما يخطر على بالي دون الخوف من أي شخص كان .

كان كل شيء لا يعجبني ,, كان كل مديح وإطراء للدولة والحكومة أعتبره مجامله وكذب ونفاق ,, حتى أنني كنت أعتبر اليوم الوطني بمثابة السيرك الكبير ويوم الرياء والنفاق .

كنت قبل شهور أجد متنفسي في الحديث عند الأصدقاء عن الظلم والقهر وعدم العدل وانقطاع الرزق في هذا البلد ,, وكان كل ذلك يدور غالباُ في منزل أحد الأصدقاء المحبين للدولة والحكومة ,, كان صديقي الوطني رغم سوء أحواله المادية ورغم معاناته مع الديون ورغم كل شيء إلا أنه يحاول الدفاع عن الحكومة بشتى السبل .

وكانت الغلبة في النقاشات لصالحي ,, وكان صديقي المحب للدولة ينهي النقاش بالضحك والقول "خلاص يا عقيل أسكت وفكنا شرك ترى الجمس الأسود يحتريك برا"

دائماً نفس النقاشات ودائماُ نفس النهايات ,, حتى أتى ذلك اليوم الذي كانت النهاية فيه مختلفة عندما قال لي صديقي الوطني " أجلس أنتقد يا عقيل بيدك ورجلك تراك ما راح تغير شيء ,, عمرك راح يضيع وأنت تتكلم وتضيق صدرك ,, وراح أجي بعد عشر سنين ويكون معاي ماجستير موارد بشريه وأنت معك ماجستير في الهموم والضغط والسكر ,, وراح يتطور كل اللي حولك ,, وأنت تبقى على ما أنت عليه "
استغربت من كلماته وقلت له " تدري ليه ما راح يتغير شيء في حياتي ؟؟ لأن الحكومة ما راح تغير شيء وراح يبقى كل شيء على ما هو عليه
 "
كان رده بكل بساطه " لا مو عشان كذا ,, ما راح تتغير لأنك يا عقيل صرت تؤمن أن الرزق بيد الحكومة مو بيد الله عز وجل ,, وهذا سبب الوضع السيئ اللي أنت فيه "

في حينها طنشت كلماته ولم آخذها على محمل الجد .

غادرت منزل ذلك الصديق وعدت للمنزل ,, وعلى فراش النوم كانت تلك الكلمات تعاود الدوران في داخلي ,, ولم تغادرني كلماته إلا بعدما اقتنعت بصحتها .

يا سادة يا كرام ,, أعترف وللأسف أنني في ذلك الوقت وفي داخلي وبدون أي شعور كنت أؤمن بأن الرزق بيد الحكومة ,, فلن أجد عملاُ إلا إذا الحكومة أرادت ,, ولن أحصل على منزل إلا إذا الحكومة أرادت ,, ولن أتزوج إلا إذا الحكومة حسنت من وضعي المادي .

هل أنا في ذلك الوقت أعتبر من ضمن المؤمنين بالله ؟؟ والمتوكلين عليه ؟؟

أخبروني يا سادة هل جميع الذين دعسهم الفقر بكلتا قدميه وأقدموا على الانتحار وقتل أنفسهم بما لا يرضي الله ولا رسوله هل تلك الفئة تعتبر من الفئة المؤمنة بالله ؟؟

كيف نحسبهم مؤمنين بالله وهم يؤمنون بداخلهم أن الرزق موجود بيد العائلة الحاكمة وليس بيد من خلقها وأعز شأنها ؟؟

إذا كنت فقير ,, إذا كنت مريض ,, إذا كنت مهموم ,, إذا كنت مظلوم ,, وكنت تعتقد وتؤمن أن حلولك وفرجك لدى أي مخلوق كان ,, فعندها يا صديقي أتمنى أن تتأكد بأن أوضاعك ستسوء بشكل أكبر ولن تحل أبداُ . 

بعد كلام صديقي الوطني أيقنت بأن كثرة الكلام لا تجلب إلا التعب النفسي قبل أي تعب آخر ,, وكثرة الكلام تزيد الأتكالية في داخل القلوب ,, لأنك عندما تشكي ما بداخلك من هموم فمن المؤكد أن رغبتك في حل المشكلة ستصبح أقل بعد بثك لشكواك .
بعد كلام صديقي الوطني أيقنت بأني ومثلي الكثير " شخص متناقض" ,, أريد العمل وأنا لم أبحث عنه ,, أريد المادة وأنا لم أتعب ,, أريد الراحة وأنا لم أشقى ,, أريد كل شيء وذلك لأنني سعودي وأتواجد في أغنى بقاع الأرض .

بعدما عرفت خطأي من صديقي قررت عدم التحدث ,, عدم الانتقاد ,, عدم رمي التهم ,, عدم تعليق كسلي وفشلي على شماعة الحكومة .
بعدما عرفت خطأي من صديقي قررت التحرك ,, قررت التفكير ,, قررت التحدث بشكل أقل والعمل بشكل أكبر .

والحمدلله فتحت لي أبواب الرزق ,, وذلك بحصولي على وظيفة جيده وفي بيئة مريحة جداُ ,, وحصولي على خمس عروض توظيفيه خلال شهر واحد فقط ,, وما زالت العروض تنهال علي وآخرها وظيفة ستكون الوظيفة التي تمنيتها منذ سنوات ,, وكلي ثقه بالله أن تتم أموري بخير .

لو لم أسمع كلمات صديقي ولم أفكر فيها فلا تستغربوا لو سمعتم بخبر انتحار عقيل الرافع في أحد الشهور أو السنوات القادمة .

لذلك السبب لم أتأثر أبداُ بالشبان الذين انتحروا قبيل أسابيع لأنهم فقراء ,, أو لأنهم لم يجدوا عملاً مناسباُ ,, والسبب لأنني مثل ما وضحت لكم بأن من يؤمن بأن الرزق بيد البشر والمخلوق فأنه لن يفلح أبداُ وسوف تتكالب عليه الظروف والضغوط حتى يصل لمرحلة الهلوسة .


أكتب لكم هذه الكلمات وأنا أتذكر حديث والد صديقي لأبنه الذي أشتكى لوالده من رؤية رجل أربعيني يقوم بأخذ بقايا الطعام من صندوق قمامة الحي ,, وكان صديقي يخبر لأبيه تذمره من الحكومة التي جعلت هذا المواطن يبحث عن لقمته في داخل ذلك الصندوق القذر ,, لم أنسى ما قاله له والده " صدقني يا ولدي لو تبحث في ماضي وحياة ذاك الشخص اللي شفته قبل شوي راح تلقى العيب منه هو ,, مو من الحكومة ولا من أي شخص ثاني ,, راح تلقاه أما معرض عن ذك الله ,, أو راح تلقاه عاق بوالديه ,, أو مدمن مخدرات ,, أو مرتشي ,, أو أنه شخص يؤمن أن الرزق بيد العباد وليس بيد خالقهم "

تأملت كلمات والد صديقي ووجدتها واقعية ,, لأنني أخذت نظرة للفقراء الذين أعرفهم ووجدت أنهم فقراء بسبب ما قدموه في ماضيهم أو ما يقدموه في حاضرهم ,, وجدتهم أما " فقراء بسبب كثرة الأبناء بينما دخلهم الشهري قليل ,, أو فقراء لأنهم بحثوا عن الراحة واعتادوا على مد ايديهم للمحسنين ,, أو فقراء لأنهم أراح عقولهم من التفكير ,, فقراء لأنهم ظلموا شخص ما ,, أو فقراء لأنهم أعرضوا عن ذكر الله "

قبل يومين كنت في نقاش مع الأصدقاء ذكرت فيه بأنني مستاء بعدما ذهبت لأحد المعاهد لتعليم اللغة الانجليزية ,, ووجدت طلاب المستوى الثالث أغلبهم أجانب أعمارهم تتراوح بين 13 و 18 عام ,, بينما أغلب ألطلبه السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 22 يدرسون المستوى الأول .

قال أحد الأصدقاء " يا عقيل لا تلوم أهاليهم ومجتمعنا ,, ياخي لوم الحكومة "
رددت عليه وسوف أخبركم ما قلت له بالحرف "أيش دخل الحكومة في أجبار الطفل والمراهق على حب الدراسة ,, عيالنا ما لهم نفس يدرسون الصبح في المدارس تبيهم يحبون دراسة ماهي ألزاميه ؟؟ هذي مسؤولية الأهل أنهم يحببون أبنائهم في طلب العلم والدراسة ,, هذي مسؤوليتهم في تحفيز أبنائهم للوصول إلى أفضل المستويات في مختلف المجالات ,, حب العلم والرغبه في التعلم هذا أمر مفروض يتشربه الطفل من نشأته في منزله ,, الحكومة مالها علاقة في مسألة أن كل شخص يجيب ست عيال وخمس بنات ويترك المدرسة والشارع والأصدقاء والأقارب يقوموا بتربيتهم ,, لو كل شخص فكر كيف يربي عياله قبل لا يجيبهم ما كان هذا حالنا أبداُ "

لذلك لنترك انتقاد الدولة جانباُ ولننتقد أنفسنا قبل كل شيء ,, وإذا صلحت أحوالنا وصلح مجتمعنا بالكامل ,, لنطالب حينها وننتقد أي شخص مقصر .



هذا ما لدي هذا الأسبوع
أتمنى أن تفكروا جيداُ بالذي قلته
وأتمنى أنني لا أرى ردوداُ تقول بأنني مطبل للحكومة أو ما شابه ,, لأنني لست كذلك ,, وإنما تحدثت بناء على تجربة مررت فيها وعرفت خطأي وأتمنى من كل شخص كان مثلي أن يحذوا حذوي ويركز على نفسه قبل أن يركز على عيوب الآخرين .


أخيراُ قال تعالى "﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى.وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقييمك للمدونة ؟؟