الجمعة، 9 نوفمبر 2012

" لكي لا يسقط أبنائنا في غرف الصرف الصحي "


" لكي لا يسقط أبنائنا في غرف الصرف الصحي " 

ضمن سلسلة مواضيع وقصص رافعيات الجمعة ..




أحضر والدي عامل من الجنسية المصرية ليقوم بسحب مياه الصرف الصحي من منزلنا ,, ولم أنسى ذلك المنظر الذي حدث عندما سقط ذلك العامل في غرفة الصرف الصحي عن طريق الخطاء ,, وخرج منها وهو يصيح ويبكي والفضلات تملئ محياه وملابسه ,, كان حينها يقول بأعلى صوته "الله يسامحك يمه ,, الله يسامحك يمه"
قام والدي على الفور بأخذه الى دورة المياه لكي يغسل نفسه من تلك القاذورات التي ملئت جسده وملابسه ,, ثم طلب والدي مني أن أحضر لذلك العامل ملابس من ملابسه لكي يرتديها "أي ملابس والدي"

أحضرت الملابس ,, وانتظرت العامل حتى أنتهى من استحمامه ,, ثم ناولته الملابس ,, وبعدها أخذه والدي وأدخله الى مجلس الرجال ,, وكان العامل طوال ذلك الوقت يبكي ويندب حظه ويقول "الله يسامحك يمه ,, كله منك يمه"

قمنا بصب الشاي له ,, ثم قام والدي بتهدئته ,, ومحاولة الرفع من معنوياته المندثرة بعد حادثة الوقوع في غرفة "المجاري"
أخذ الامر قرابة الخمس دقائق حتى ساد الهدوء على ذلك العامل ,, وبعد الهدوء بدقائق قام والدي بسؤاله عن سبب قوله "كله منك يمه ,, الله يسامحك يمه "

فقال والحسرة تملئ أسلوبه :
أنا كنت يتيم الأب ,, وربتني أمي ,, وكانت أمي تقوم بتدليعي وتدليلي على اعلى مستوى ,, حيث أنها كانت توفر لي كل ما اردته ,, ولا تقوم بمعاقبتي عندما أخطئ ,, ودائماُ تكون بجانبي عندما أتعرض لمشكلة حتى لو كنت أنا الجاني ولست المجني عليه .
في أحد الأيام قام معلمنا في المدرسة بتوبيخي أنا وبعض اصدقائي لأننا لم نحل الواجب ,, وبعد توبيخه لنا قام بأخذ العصا وجلدنا بها .
لأنني كنت الأبن المدلل لوالدتي ,, لم أستحمل ذلك الضرب ,, رغم أن جميع زملائي استحملوه ورضوا بالأمر الواقع ,, لذلك عندما عدت للمنزل أخبرت والدتي بما جرى لي ,, وبينت لها ضيقي من أمر الضرب .
استأت والدتي من الذي سمعته ,, وأخذت تتوعد وتتهدد ذلك المدرس .
في صباح اليوم التالي لم أذهب للمدرسة لوحدي ,, لأن والدتي ذهبت معي لكي تنتقم من المعلم الذي قام بضربي .
بعد وصولنا للمدرسة ,, وبخت والدتي المدرس على ما فعله بي .
أجابها المدرس بأن هذا هو عقاب من يهمل دروسه وواجباته ,, وأضاف بأن أغلب زملائي تلقوا نفس العقاب ولم يأتي والد أياً منهم لكي يعاتبه على ما فعله .
أخبرته والدتي بأن يتوقف عن ضربي ,, حتى لو لم أقم بحل الواجب .
فرفض المدرس ذلك الأمر ,, لكي لا يحدث تفرقة بيني وبين بقية الطلبة ,, وأعلمها بأنه لن يغير نظامه في معاقبة المقصر من الطلاب .
فا أخبرته والدتي بأنها تفضل أن أبقى بدون تعليم في منزلها ,, خيراُ من أن أعاقب بين فينة وأخرى ,, حتى لو كانت النتيجة أن أصبح شخص غير متعلم ولا أجيد القراءة والكتابة .
لم أذهب الى المدرسة منذ ذلك اليوم ,, وكانت هذه بداية نهاية مستقبلي .
توفت والدتي التي كانت توفر لي لقمة العيش ,, توفت والدتي التي لم تدعني أواجه مستقبلي بنفسي ,, توفت والدتي التي حرمتني أن أصبح رجلاُ وأتعرض لأحلك الظروف ,, توفت والدتي بعدما أصبح جميع أصدقائي في القرية بين مدرس وضابط ودكتور ,, بينما يقوم صديقهم المدلل بسحب "المجاري" من المنازل في بلاد الغربة .
تمنيت لو أن والدتي ربتني على الشدة والقسوة على أن تربيني على الدلع الذي هو سبب أني بلغت سن الأربعين وأنا أجهل القراءة والكتابة .
تمنيت لو أن والدتي تركتني للمدرس يضربني ويعلمني الحروف ,, خيراُ من لجوئي لمثل هذه الوظيفة وفي بلاد الغربة .

ثم ختم ذلك العامل كلماته لوالدي والتي سأكتبها كما قالها باللهجة المصرية وهو يبكي" ياريتك يايمه تركتيني للشيخ يضربني ويقطع جلدي بس يعلمني ,, ولا أشوف اللي شفته بحياتي بعدك ""

ملاحظة : هذه القصة حدثت في منزل والد صديقي الدكتور أبو سالم الرويلي .


تلك القصة التي سمعتها من صديقي ابو سالم لم تكن الا تأكيد على ما قرأته في كتب التربية ,, وعلى ما سمعته من أحد أصدقاء والدي كجواب مني عندما سألته عن طريقة تربيته لأبنه الذي لم أرى شاباُ يتحلى بصفاته .

يا أحبائي ,, ليس هنالك ضرر عندما ندلع وندلل أبنائنا عندما يكونوا في سنتهم الاولى ,, ولكن الضرر يكمن في استمرار ذلك الدلع والدلال لحين ما يصبح الأبن شاباُ تكونت أغلب قناعاته وأفكاره وكذلك أسلوبه من نتاج "تربية الدلال"

تربية الدلال هي المسؤولة عن تواجد هذة الشخصيات التي سوف اذكرها الآن في أغلب المنازل والمجتمعات :
"شخص يغضب عندما لا تتحقق مطالبه" ,, "شخص لا يحترم أحداُ " ,, "شخصاُ لا يتحمل الهزيمة والأنكسار" ,, " شخصاُ ردة فعله عند الغضب دائماُ وخيمه وغبية " ,, "شخصاُ يتصرف بغباء وبدون تفكير لأنه يؤمن بأن هنالك أشخاصاُ خلقوا لكي يبرروا له أخطائه ويغفروا له زلاته" ,, "شخصاُ يرى نفسه فوق الجميع ,, ليس له صاحب ,, ويغار من كل شخص أفضل منه ,, ويحسد من كل ناجح ,, حتى لو كان ذلك الناجح أخوه"

وخلال السبع وعشرون عام التي قضيتها حتى الآن في هذه الحياة ,, عرفت أشخاصاُ سقطوا وانزلقوا لدروب الشر ,, ولزموا السجون ,, ولجئوا الى معرفة أشخاص في منتهى الحقارة والقذارة ,, والسبب في جميع ما حدث لهم هو "إما الدلال الزائد ,, أو القسوة الزائدة" ,, ولكن سبب ضياع الأغلبية منهم هو تعودهم على الدلال والدلع .

وسوف أعصر لكم في الأسطر القادمة خلاصة ما قرأته عن تنشئة الطفل ,, وما سمعته من صديق والدي المثقف والمربي الرائع ,, وما علمتني أياه الحياة :

التنشئة تبدا من بعد بلوغ الطفل سنه ,, الى سن حين يبلغ من العمر ثمانية الى عشر سنوات .
جميع ما يشاهده ويتربى عليه الطفل في هذه المرحلة ينشأ معه ,, وصعب عليه جداُ أن يغيره بعد تخطيه حاجز العشر سنوات .
لذلك يكون أفضل سن لمتابعة الأبن وغرس القيم الجيدة فيه هو هذه السبع أو التسع سنوات .
ولذلك أنا أنصح جميع الاباء والأمهات أن يصبوا جل تركيزهم في تربية أبنائهم في هذه المرحلة ,, وليأخذوا بعدها قسطاُ من الراحة الأبدية ,, في حال قيامهم بتربية أبنهم أفضل تربية .

الخوف من المرتفعات مثلاُ ,, تجنب بعض الآكلات ,, طريقة التحدث ,, طريقة التفكير ,, المسامحة والغفران ,, التصرف بعفوية ,, التصرف بخبث ,, جميع ما سبق وأكثر ينشأ لدى الشخص في سنواته العشر الأولى ,, وقد يستمر معه طوال حياته .

لذلك مثلاً إذا كان أحد الأطفال يعاني من فوبيا المرتفعات فيجب على والده أن يزيل تلك الفوبيا من عقل أبنه نظرياُ وعملياَ وبالشكل التدريجي ,, وإلا فأنه سوف يعيش ما تبقى له من عمر ,, وحتى وفاته وهو يخاف من الأماكن المرتفعة .
وقيسوا على ذلك بجميع التصرفات التي تصدر من الانسان ,, خيراُ أم شراُ .

سوف أختم موضوعي بكلام صديق والدي وجوابه عن طريقته في تربيته أبنه الشاب المتميز والمتوفق والمعروف بأخلاقه العالية ,, فقال : تعبنا عليه أول تسع سنوات ,, كنا ننشط عقله باألعاب الذكاء التي كنا نختارها له ,, زرعنا في داخله أحترم أي شخص يكبره بالسن ,, زرعنا في داخله حساب كل كلمة يتفوه بها ,, زرعنا بداخله طريقة التحدث أمام الآخرين ,, زرعنا بداخله التحمل والصبر , زرعنا بداخله طريقة تحفيزه لنفسه ,, زرعنا بداخله عدم سؤالنا شيء لا نستطيع توفيره له ,, زرعنا بداخله الصدق حتى في أسوء الظروف ,, زرعنا بداخله مراعاة الله في أي شيء يفعله جهراُ أم سراُ , تعبنا جداُ في السنوات التسع ,, كنا دقيقين جداُ معه ,, كنا نستخدم الجدية في اغلب الاوقات ,, ونستخدم المزح في اوقات معينه ,, كنا نقسى عليه عندما يخطئ ,, ونكافئه ونكرمه عندما يحسن التصرف ,, ولم نبالغ بمكافئتنا وعطايانا له ,, جعلنا فارق بيننا وبينه لكي يحترمنا ,, وبعد تخطيه لسن العشر سنوات اتخذناه صديقاُ لنا ,, أخبره بعض اسراري التي لا اخبرها امه , و وامه أيضاُ تقوم بنفس الشيء ,, وكان هو أيضاُ يخبر كل شخص فينا سراُ حسب نوعية السر ,, والآن جميع من رآنا ظن أننا أشقاء ولست أنا الوالد وهو الأبن .



أنتهت رافعياتي هذا الأسبوع ,, أسأل الله أني وفقت فيما طرحته ,, وأعلموا أنني أرحب بجميع وجهات النظر التي ستصلني منكم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقييمك للمدونة ؟؟