الجمعة، 30 يوليو 2010

(( أيام العذاب ))



ملاحظة : ستكون رافعيات الجمعه القادمة هي الرافعيات الأخيرة ,, لأنها ستتوقف في شهر رمضان المبارك ,, ولي عودة بأذن الله بعد شهر رمضان ,, أما مع سلسلة الرافعيات ,, أو مع سلسلة آخرى .


(( أيام العذاب ))
ضمن سلسلة مواضيع رافعيات الجمعه وردة حمراءوردة حمراء



في أحد الأحياء الشعبيه في مدينة جدة ,, وأمام ذلك المنزل الشبه مهجور ,, وقفت سيارة أمام باب ذلك المنزل ,, وأرتجلت منها سيدة في بداية الثلاثينيات من عمرها ,, تحمل في يدها اليمنى حقيبة ,, ويدها اليسرى ممسكة بيد طفل لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره ,, وتوجهت الى داخل ذلك المنزل المهجور .

في داخل ذلك المنزل كانت تقف الأرملة سعاد والتي مازالت تحتفظ بملامحها الجميله وكأنها شابه في مقتبل العشرينيات ,, كانت تقف أمام تلك العجوز التي تقطن ذلك المنزل والتي هي في واقع الأمر والدتها ,, والتي تزورها كل شهر تقريباُ .

أخبرت سعاد والدتها بأن يوم غداُ هو يوم حفل زواجها على رجل أرمل يكبرها في العمر قليلاُ ,, كان الشرط الأهم لزوجها الجديد قبل أرتباطه بها هو أن تتخلى عن أبنها لأنه لا يحب الأطفال ولن يستطيع العيش معها بسلام وهدوء طالما ذلك الطفل متواجد بينهما .
لذلك قررت أن تضع أبنها عندها ليقيم عندها مدة تقارب السنه حتى تقوم خلال تلك الفترة بأقناع زوجها الجديد بتقبل وجود أبنها بينهما .

وأضافت سعاد أيضاُ بأنها سترحل في اليوم التالي للزواج مع زوجها الجديد الى العاصمة ,, حيث مقر عمل زوجها الجديد ,, لذلك قامت با إيجار شقتها في جدة والتي كانت تعيش بها مع أبنها .

وأضافت أيضاُ بأنها ستقوم بأرسال مبلغ شهري كمصروف لوالداتها ولأبنها ,, وستقوم بتحويل ذلك المبلغ الى الحساب البنكي لأحدى صديقاتها والتي ستقوم بدورها بأيصال ذلك المبلغ الى والدتها بأسرع وقت .

بعد تلك الكلمات ودعت سعاد والدتها ,, وقامت كذلك بتوديع أبنها المصدوم والمفجوع من الكلام الذي سمعه من والدته ,, وغادرت على الفور دون أن تدع لوالدتها مجال تناقشها وتبدي فيه رأيها عن تلك القرارات التي أتخذتها بدون أي مشورة منها .

صمت عجيب في داخل تلك الغرفه المهترئه ,, طفل صامت أتعبه البكاء عند ذلك الباب الذي أغلقته والدته خلفها ,, وينظر بأتجاه جدته أو عفواُ والدته الجديده ,, والتي كانت تبكي بصمت ,, قطعت صمتها وذلك بعد مناداتها ذلك الطفل ليقوم بالسلام عليها والجلوس بقربها .

قام ذلك الطفل وسار بأتجاه جدته بخوف ,, ثم ما أن أقترب منها حتى رمى نفسه بين أحضانها معلناُ أرتفاع أصوات البكاء والنحيب بعدها .

كان أكثر ما يؤلم فؤاد ذلك الطفل هو أن تتخلى عنه والدته بتلك السهوله ,, وكيف أنه لم يعلم بمخطط والدته الا بذلك الوقت فقط .
كان جداُ مصدوم ولا شيء في حياته يبعث بالفرح .

بينما وفي نفس الوقت والمكان ,, كان أكثر ما يؤلم فؤاد تلك العجوز هو ما فعلته أبنتها بأبنها وكيف تخلت عنه بتلك السهوله .
كانت جداُ سعيدة بداخلها بأن حفيدها سيكون بجوارها مدة عام على الأقل ,, رغم ألم وقسوة ما فعلته أبنتها ذلك اليوم ,, الا أن شيئاُ جديداُ في حياتها سيبعث لها بالفرح والأنس الا وهو حفيدها العزيز جداُ على قلبها
.

بعد سنه ونصف من الذي حدث بالأعلى دعوني أتحدث بالنيابة عن القبطان زيدان وأكمل لكم باقي قصتي :
أنا عاطف أبن سعاد ,, أبلغ من العمر الآن أربعة عشر عاماُ وسأدخل في عامي الخامس عشر بعد أيامُ قليلة من الآن .
أنا الآن ذاهب الى مجتمع جديد ,, موعود بأن ذلك المجتمع سيكون جميلاً ,, وبأذن الله سيكون كذلك ,, لذا أتمنى أن تدعوني أخبركم ما حدث لي في السنه والنصف الماضيه من حياتي :

بعد مرور أسبوع على أقامتي في منزل جدتي المهترئ في ذلك الحي الشعبي بدأت أتأقلم مع كل شيء ,, على الرغم أنني كنت قادم من حي ومنزل أفضل من الذي كنت فيه ذلك الوقت وبمراحل .

تعرفت على صديق جديد في ذلك الحي يدعى ((
مازن )) وكان هو الشخص الوحيد الذي كنت أقضي معه أغلب وقتي وذلك لأنه يشاركني تقريباُ نفس حالتي الأجتماعيه ,, لأنه يتيم الأبوين بعد أن فقدهما في حادث سير ,, ويعيش الان في منزل أجداده مع خواله وخالاته .

كان مازن أفضل مني في كل شي ,, كل ما يريده يتم توفيره له من قبل جده أو جدته او خواله وخالاته ,, وكان يتلقى تعليمه ,, وكان الأولاد السيئون في ذلك الحي بقيادة (( ممدوح ابو راس )) لا يستطيعون الأقتراب منه والحاق أذيتهم به لمعرفتهم بأن ورائه أناساًُ يدافعون عنه ولا يدعون مجالاُ للمكروه ان يصيبه الا بما يشاء الله .
بينما كنت أنا وجدتي ننتظر الأحسان من الجيران والآمرون بالمعروف ,, حتى نحصل على ما نسد رمقنا به ,, فصديقة والدتي للآسف لم نرها سوى مرتين ,, المرة الأولى حملت لنا مبلغ لم يتجاوز (( 300 ريال )) وهو اقل من ثلث المبلغ التي وعدتنا والدتي أن يصلنا والمقدر ب (( الف ريال )) .
المرة الثانية التي قدمت فيها الينا صديقة والدتي وكانت قبيل أحد الأعياد بيوم وكانت تحمل معها ملابس جديده لي ولوالدتي بمناسبة العيد ,, وكانت تلك الملابس كصدقة منها لنا .


لم يكن يغضبني ذلك الأمر بقدر ما غضبت بسبب أن والدتي لم تقم بنقلي الى احدى مدارس الحي الذي تقطن به جدتي .

مضى الأسبوع الأول من الدراسه وأنا لا أستطيع الذهاب للمدرسة وذلك لبعدها أولاًُ ,, وثانياُ لأنه لايوجد لدي الأشياء الواجب توفرها لطالب المدرسة من دفاتر وأقلام وحقيبه مدرسية .

في نهاية الأسبوع الأول لبداية الدراسه ,, كنت متواجداٌُ برفقة صديقي مازن أمام ارض فاضيه تم تشييد ملعب لأبناء الحي فيها .
قمت بالاصطفاف مع ابناء الحي ليتم اختياري مع احد الفرق التي ستعلب ذلك اليوم ,, ولكنني فوجئت بأقتراب طفل بنفس سني ويسمى ((
ممدوح أبو راس )) أقترب مني وطلب مني بكل خبث أن أغادر المكان ,, وعند قيامي بسؤاله عن السبب لطردي ,, أجابني بأنني لست من ابناء الحي حتى أشاركهم اللعب .

تدخل صديقي مازن وأخبر ممدوح أنني أحد سكان الحي مؤخراُ ,, وبأنني أقطن في منزل العجوز المعروفه بالحي بأسم أم سعاد .

قال ممدوح حينها :
(( اااه أنت اللي امك تخلت عنك ,, والحين تسكن عن شحادة الحي العجوز أم سعاد)) وأطلق بعدها ضحكة حقيرة ,, لم أستطع خلالها الرد عليه الا برسم صفعه على محياه البشع .

ثارت ثائرة ممدوح ابو راس والذي كان معروف بأنه الأشرس في ذلك الحي ,, ثم قام بالتهجم علي وحاول طرحي أرضاً ولكنه عجز عن ذلك ,, وما هي الا لحظات حتى التف حولي ما يقارب ثمانية من أصدقاء ممدوح وطرحوني أرضاُ وأشبعوني ضرباُ ,, في وسط محاولات من مازن الذي حاول ثنيهم عن ضربي ولكن في نهاية الأمر لم يستطع ,, ولكثرتهم دور في ذلك .

عدت الى المنزل برفقة مازن والذي كان يحاول أن يخفف عني ألم الضرب المبرح الذي تعرضت له وذلك بأخباره لي بأنني أول شخص يستطيع التهجم وأهانة ممدوح أبو رأس والمعروف بأنه الأقوى والأشرس في الحي .


ذهلت جدتي من علامات الضرب التي رأتها على محياي ,, وسألتني عن السبب ومن هو الشخص الذي قام بضربي ,, فكذبت عليها وأخبرتها بأنني سقطت أرضاُ أثناء لعبي كرة القدم مع أبناء الحي ,,
وكان سبب كذبي عليها ذلك اليوم لأنني لم أشاء أن تقوم بالخوف علي مستقبلاُ ,, في ذلك الحي الذي كنت اتوقع بأنه سوف يشهد العديد من المشاكل في مستقبلي الغامض فيه .

في اليوم التالي وكان يصادف يوم الخميس طلب مني صديقي مازن أن أرافقه لحي يبتعد عن الحي الذي نقطن فيه قرابة الثلاثة كيلومترات , وذلك للعب كرة القدم في ذلك الحي والذي هو صديق لبعض أبنائه .

خلال سيرنا بأتجاه ذلك الحي ,, وعند أحد التقاطعات المروريه والتي تشهد وجود العديد من أشارات المرور ,, ذهلت بالكم من الأطفال والنساء والذين يقومون بمد يدهم للأشخاص الذين أجبرهم أحمرار الأشارة على الوقوف أمامها .

شاهدت أكثر من زجاج سيارة تم خفضه وخروج أيدي فيها نقود تجاه يد الأطفال والنسوة الذي يتناولون تلك النقود ويقومون بعدها بالدعاء لصاحب تلك اليد الكريمه .

كنت في ذلك اليوم أفكر أن أبدأ في اليوم التالي هذا العمل لعلي أجد فيه ما يسد رمقي أنا وجدتي ,, بعد أن بدأ الحال يضيق بنا اكثر واكثر , ولكنني كنت متردد أكثر خوفاُ من غضب جدتي والتي كنت اعتقد انها سيزعجها ذلك الأمر كثيراً .

وصلنا الى ذلك الحي الذي كنا قاصدين التوجه اليه , ولعبت الكره مع ابناء ذلك الحي بجسدي فقط ,, لأن عقلي كان مشغول بالتفكير في أمر الوقوف عند احد الأشارات وطلب المساعده من الناس .

بعد انتهاء اللعب والذي لم استمتع فيه كثيراًُ , عدت برفقة صديقي مازن الى حينا ,, وعلى طريق العوده كنت أرى صديقي مازن يتحدث بأسهاب ويطلق الضحكات ,,و لم أعلم ماذا كان يقول ذلك المساء وذلك لأنني كنت لا أزال مشغول التفكير بأمر طلب المساعدة من الناس عند الأشارات .

وصلت الى منزلي بعد صلاة المغرب ,, وبدأ الجوع يضرب أوتار معدتي الخاويه ,, ذهبت الى الثلاجة والتي كنت اعلم بأنها خاويه وذلك حتى أقنع عيني بأن تلك الثلاجه فارغه وتقوم تلك العين بدورها بأقناع المعده وأوتارها بأنه لا يوجد شيئاًُ أستطيع من خلاله أيقاف اصوات المنبهات التي بدأت تطلقها وذلك كأشعار من معدتي بخلوها من الطعام .

كانت الساعه تشير الى العاشرة مساء عندما سمعت الطرقات القويه على باب المنزل ,, ذهبت أركض بأتجاه ذلك الباب عل وعسى يكون خلفه إناء فيه طعام من احد الجيران المحسنين .
فتحت الباب ولم أشاهد امامي الا إناء مغطى وفيه على ما اعتقد طعام ورائحته الزكيه أسعدت محياي وجعلته يبتسم ويشكر الشخص الحامل للإناء والذي لم اتعرف عليه الا بعد ان سمعت صوته .
كان ذلك الصوت هو صوت الشخص الذي أشبعني ضرباُ بمساعدة أصدقائه مساء الأمس ولعلكم عرفتوا من هو ,, نعم هو ممدوح أبو راس ,, الذي أبتسم عندما رأني قنطت محياي بعد مشاهدتي لمحياه .



قام ممدوح بإعطائي الإناء ,, وأخبرني أنه من والدته لجدتي ,, أخبرته بشكري له ولوالدته الأنسانه الحنونه والتي على الدوام تحاول مساعدتنا وتقديم الحسنى لنا .

عند همامي بدخول البيت لا إلتهام مافي ذلك الإناء سمعت ممدوح يناديني ,, التفت محياي والتفتت يداي التي كانت تحملا الطعام بأتجاهه ,, قام عندها برفع غطاء الإناء حتى أتضح الرز واللحم الذي في الإناء , وقال لي((
شكلك جاااايع ,, والأكل اللذيذ ماراح يكفيك انت وجدتك ,, بس وش رأيك أخلي طعم الأكل أفضل وألذ ويكفيك أنت وجدتك ؟؟ ))
فسألته بكل برأه ((
كيف راح تخلي طعمه افضل وألذ ؟؟))

قام بالضحك بصوت عالي وقال ((
سأخبرك كيف )) قام بعدها بالبصق على ذلك الطعام ,, وأطلاق ضحكه عاليه ,, لم استطع تمالك اعصابي حينها ,, وقمت بإعطائه الإناء ليس في يده ,, ولكن في محياه ,, صفعته بالإناء على محياه وأغلقت الباب خلفي خوفاً من ردة فعله .

سمعته يبكي ويصرخ ذلك اليوم ,, وقام بمحاولة كسر باب المنزل ولكنه لم يستطع لأنه وإن كان قوياً لن يكون أقوى من الفولاذ .

عاد ادراجه بعدها الى منزله تاركاُ خلفه جملاًُ من الوعيد والتهديد والمصحوبه بكلامات أقل ما يقال عنها قذرة .

في ظهيرة اليوم التالي ذهبت لأداء صلاة الجمعه , شاهدت ممدوح حينها بالمسجد يقوم بالأشارة لي بأنه سينتقم مني لاحقاً وأشار لي بأن الشخص الذي بجانبه هو شقيقه الأكبر , والذي كان يكبر ممدوح ب4 سنوات ويبلغ من العمر 18 عاماُ .
كان شقيقه يشير لي بعلامات الويل والتهديد في داخل ذلك المسجد ,, وبعد انتهائي من أداء الصلاة ,, قمت بالخروج مبكراُ من المسجد خوفاُ من شقيق ممدوح الأكبر والذي كان يحمل أنواع الشر في محياه البشع اسوة بأخيه ممدوح .

ركضت بأقصى سرعتي مبتعداًُ عن ذلك المسجد ولم أذهب للمنزل حينها لأنني كنت أعلم بأنهم سوف يكونوا بأنتظاري هناك ,, رحت اجوب الشوارع ,, ووقفت عند احد الأشارات والتي تعج بالعديد من الأشخاص الذين يطلبون الأحسان من الناس .

قررت عندها أن أبدأ وظيفتي الجديدة بدء من ذلك الوقت ,, ذهبت اطرق زجاج السيارات ,, داعياًُ لمن بداخلها بالتوفيق والسداد والأشارة لهم بأصبعي السبابه أي بمعنى (( أ
ريد ريالاُ واحداُ فقط ))

كان البعض يقوم بطردي بأعلى صوته ,, والبعض الآخر يشعرني بأنه لا يرى محياي البائس ولا يسمع صوتي المبحوح وطرقاتي الخجوله على زجاج سيارته .
وكان القلة يقومون بإعطائي المال .
حدث أمامي مشهد لن أستطيع نسيانه وسوف أذكره لكم :
أثناء وقوفي أمام احد السيارات والتي كانت تتواجد بداخلها سيدة برفقة بناتها وأبنها الصغير بصحبة سائقهم الذي من الجالية الأسيويه ,, فتحت تلك السيدة النافذه وقامت بإعطاء أبنها الصغير ريالين ليقوم بإعطائها لي ,, سأل ذلك الطفل الذي لم يتجاوز السابعة من عمره والدته عن سبب قيامها بإعطائي المال ,, فقالت له والدته (( حنا نعطيه فلوسنا عشان هو مسكين وما عنده احد يصرف عليه ))
قام الطفل بعدها بأعطائي ذلك المبلغ والذي أن كان قليلاُ في نظر البعض فأنه يعتبر كثيراُ في نظري .
ذلك المشهد أعادني خمس سنوات للخلف عندما أراد أبي أن يقوم بتعليمي الأحسان الى الفقراء وقام بأعطائي مبلغ من المال وطلب مني أعطائه لأحد الأشخاص الذين يطلبون الأحسان ,, فقامت والدتي بنهر والدي رحمة الله عليه مخبرة أياه بأن هذه الفئه من المجتمع ليست الا مجموعات منظمه من شخصيات كبيرة لجمع المال من الناس ,, ورفضت أن أعطي ذلك المبلغ القليل جداُ لذلك الرجل الطاعن بالسن والذي كان ينتظر أن تصل ليده النقود من يدي .


عملت مقارنه بين المشهدين وبين الأسلوبين في تربية الأطفال وخرجت بنتيجة أعتقد بأن جميعكم عرفها .

جمعت مبلغ تجاوز العشرين ريال في أقل من ساعتين ,, كنت سعيداُ جداُ وأنا أتخيل حجم السعادة التي ستكون على محيا جدتي عندما تراني داخلاُ المنزل وبيدي بعض الأطعمه التي ستسد رمقنا لمدة يومين على الأقل .

ولكن ما هي الا لحظات عندما قام القدر بأيقاظي من سباتي وأحلامي الجميله ,, وذلك بعد أن أقترب مني شاب عتي الجسم وقاسي الملامح وقام بأخذ جميع النقود التي معي عنوه ,, وأخبرني بأن هذه الأشارات هي ملكه ,, وأن جميع من يقف على تلك الأشارات تحت حمايته مقابل أقتسامه معهم ما يجنونه من نقود .

بعد ان وبخني ونهبني بأن لا أقترب من تلك المنطقه غادرت تلك المنطقه والدموع ترافقني الطريق الى المنزل .

كنت أبكي على تخيلاتي الجميله ,, وكنت أبكي أكثر عندما أتذكر جدتي والتي لم تذق شيئاً من يوم الأمس .

أثناء عودتي للمنزل وبالقرب من الحي الذي كان يقع به منزل جدتي ,, رأيت شاباُ أسود اللون يقوم ببيع ((
البطيخ )) عند احد الزوايا على الطريق المؤدي الى الحي .

قررت عندها أن أقوم بسرقة ذلك الشاب , ونجحت في ذلك بعد أن قمت بأستغفاله عندما ذهب ليأخذ المال من سيارة احد الأشخاص الذين اشتروا منه (( بطيخ ))

أخذت واحده من ال (( بطيخ )) الذي يبيعه وعدوت بأقصى سرعتي نحو منزل جدتي ,, ما أن شاهدني ذلك الشاب حتى قام بالعدو خلفي .

كنت ألهث وأنظر خلفي ,, وعند أقترابي من باب المنزل تفاجأت بالذي أراه ,, رأيت أمامي ممدوح وشقيقه الأكبر والذي كان يحمل بين يديه عصا خشبيه ,, والذين أطلقوا الضحكات بصوت عالي ,, قال ممدوح بعدها ((
هذا هو اللي ضربني أمس يا موسى ))

ما هي الا لحظات حتى سمعت صوت قادم من خلفي يقول ((
أمسكوه أمسكوه هذا الحرامي اللي سرقني )) لم ألتفت خلفي لأنني كنت أعلم بأنه ذلك الشاب الأسود الذي سرقت منه (( البطيخ )) حزن

أستسلمت حينها لقدري ,, لأنني كنت أعلم بأنني وقعت في شر أعمالي ,, وكنت أعلم أنني سأضرب اليوم حتى أفقد وعيي .

أقترب مني موسى شقيق ممدوح الأكبر ,, وأخذ البطيخ الذي بين يدي وقام برميها أرضاًُ حتى أعلنت عن أنشطارها مظهرة احمرار ما بداخلها ,, وقام بعدها بمناولة شقيقة الأصغر ممدوح العصا التي بين يديه ,, وقام بحركه سريعه بضربي على قدمي حتى وقعت على الأرض ,, وطلب من شقيقه ممدوح أن يقوم بأخذ ثاره مني بتلك العصا التي بين يديه .

لأول مره أحس بالضعف في حياتي ,, كنت أحمي رأسي بيدي من ضربة عصا ممدوح ,, وفي نفس الوقت كنت انظر الى قطعه البطيخ التي بجانبي وكنت اود التهامها ,, وكنت في نفس الوقت ايضاُ أنتظر الركلة التي ستأتي من الخلف بواسطة الشاب الأسمر الذي قمت بسرقته .

ما هي الا لحظات حتى سمعت موسى يقول ((
أحمد وش فيك ماسك العصا ,, خل ممدوح يأخذ ثاره من هالكلب ,, وأنت بعد أضربه وخذ بثأرك من اللي سرقك ))

أبعدت يدي عن رأسي لأعرف مالذي يحدث ,,
ناظرت للأعلى وشاهدت الشاب الأسود يقوم بالأمساك بالعصا قبل أن يقوم ممدوح بضربي بها .

بعدها قام الشاب الأسود بسحب العصا من بين يدي ممدوح وطلب مني الوقوف ,, كنت خائفاًُ جداُ من ذلك الشاب الأسود لدرجة أنني وقفت مرتين وأختل توازني وسقطت فيهما ارضاُ .

سألني ذلك الشاب عن سبب قيامي بسرقته ,, فأخبرته بصوت منخفض بالكاد سمعه بأنني لم أجد ما يسد به رمقي ورمق جدتي وأخبرته بما حدث لي عند الأشاره وأنني بعد أن اخذ ذلك الشاب صاحب الجسم العتي ما معي من نقود قررت أن أبحث عن حل اخر لأيجاد شي يسد رمقي ورمق جدتي العجوز الجائعه ,, ووجدته أمامي وقررت حينها السرقه منه .

ثم سألني مرة اخرى عن السبب الذي من أجله يريد شقيق صديقه موسى ضربي ,, فأخبرته بما حدث مساء الأمس من ممدوح تجاهي .

بان الغضب حينها على محياه وطلب من موسى أن يخبر شقيقه بأن يبتعد عني ,, وسط غضب عارم من موسى والذي قال ((
أطلع منها يالنيجيري لا أعلمك من تكون الحين ))

كان رد الشاب الأسود حينها محترماُ عندما طلب موسى عدم تكرار ما قاله حتى لا يقوم بضربه ضرباُ مبرحاُ ,, وأخبرهم بأنه لن يسمح لأحد بالتعرض لي من ذلك الوقت وصاعداُ ,, وسط أستغراب ودهشه وأبتسامه علت محياي ,, ووسط علامات عدم رضا وغضب اعتلت محيا ممدوح وشقيقه موسى واللذين غادرا المكان حينها .

طلب مني بعدها ذلك الشاب الأسمر والذي عرفني عن نفسه وأن أسمه (( أحمد عبدالكريم )) طلب مني أن أرافقه للمكان الذي توجد فيه تجارته (( البطيخ )) وذلك لإعطائي (( بطيخه )) أخرى بدلاً لتلك التي أفسدها موسى برميها على الأرض .

اثناء سيرنا أخبرت احمد جميع المعلومات التي تخصني ,, وأتضح تأثره الشديد بما سمعه مني ,, وعند وصلونا للمكان الذي توجد به بضاعته وبعد أن قام بإعطائي حبتين من (( البطيخ )) ومبلغ تجاوز الثلاثين ريال أخبرني بالذي سوف يقوم بفعله أعتباراُ من صباح الغد والموافق ليوم السبت بدء من ذهابه معي للمدرسة التي كنت أدرس فيها وسحب ملفي الدراسي منها وتقديمه لأحدى المدارس التي تقع بالقرب من منزل جدتي , وانتهاءً بانني سوف أحصل على مصروفي اليومي من مساعدته ببيع بضاعته من بعد صلاة العصر وحتى صلاة العشاء .

سأخبركم مالذي تغير في داخل فؤادي عند عودتي قاصداُ المنزل .
كانت جدتي تحتل مكاناُ كبيراًُ من الحب في قلبي ,,وكان والدي رحمة الله عليه يحمل نفس المكان الذي كانت تحتله جدتي ,, ولكن هنالك أصبح شخصاً ثالثاًُ على ما يبدو سوف يشاطرهم المكان الا وهو صديقي الجديد (( أحمد عبدالكريم ))

قبيل مغرب الشمس بدقائق دخلت الى منزل جدتي والتي كانت قلقه للغايه علي ذلك اليوم لتأخري بالعودة الى المنزل ,, تحول ذلك القلق الى سعادة كبرى بعد رؤيتها الأكياس التي يوجد بداخلها بعض المأكولات ,, بالأضافه الى حبيتن البطيخ التي أخذتها من صديقي الجديد احمد عبدالكريم والذي قمت بأخبار جدتي عن ما فعله معي ولم تكتفي بشكره في غيابه وأنما قامت بالدعاء له كثيراً ذلك المساء .
في صباح اليوم التالي طرق صديقي احمد باب منزلنا ,, وذهبت برفقته الى الشارع العام والبعيد قليلاُ عن منزلنا ,, وكنا قاصدين حينها مدرستي القديمه .




وصلنا الى الشارع العام وقام احمد بأيقاف سيارة أجرة ,, وطلب من قائدها أن يذهب بنا الى المكان الذي تقع به مدرستي القديمه ,,
وسط نظرات ذهول وأستغراب من قائد سيارة الأجرة من هذا الشاب الأسود والطفل الأبيض الذي يرافقه .

وصلنا للمدرسه ,, وفي داخل المدرسه رفض مدير المدرسة اعطائي ملفي الا بحضور ولي أمري ,, أخبره احمد بأن والدي متوفي وبأن والدتي تقطن العاصمه وعمامي كذلك يسكنون العاصمه , وأنه لا يوجد لدي اقارب في هذه المنطقه سوى جدتي الطاعنه في السن .

لم يقتنع مدير المدرسه بما قاله احمد ,, وسئل احمد عن علاقته بي ,, فأخبره أحمد بأنني أبن جارتهم العجوز .
قام بعدها المدير بالبحث عن رقم والدتي ,, وقام بالاتصال بها ,, وبعد أن أخبرته بموافقتها على تسليمه لي ملفي الدراسي طلبت منه ان يعطيني سماعة الهاتف لتحدثني !!



لم أشاء مكالمتها وسماع صوتها لأنني بدأت أكرهها ,, وتناولت السماعه وسط تردد كبير ,, هاتفتني والشوق يتضح في نبرة صوتها ,, وأخبرتني بأنها على وشك أقناع زوجها الجديد بأن أعيش معهم في منزلهم القابع في العاصمه , وسألتني أذا ما كنت احتاج شيئاً فأخبرتها أنني لا احتاج اي شيء وأن أموري أنا وجدتي على ما يرام ,, وقبل أن أقفل سماعة الهاتف اخبرتني بأن أستعد للعيش معها في في العاصمه بعد مايقارب خمسة أشهر أي بعد الانتهاء من دراسة النصف الأول الدراسي مباشرة .
أقفلت السماعه وكلي عتب وغضب على والدتي .
أردت أن أسألها عن سبب تخليها عني وتفضيلها للعيش مع زوجها الجديد على العيش معي ,, وأردت أن أسألها عن عقوقها بوالدتها والتي هي جدتي ,, وأردت أن أسألها عن وعدها بأرسال النقود الينا والتي لم يصلنا وقتها سوى ثلاثمائة ريال فقط بواسطة صديقتها ,, أردت أن أسألها وأردت أن أعاتبها ,, وأردت أن أصرخ في سماعة الهاتف ولكني خفت من البكاء أمام مدير المدرسة و أمام صديقي الجديد أحمد .

بعد أستلامنا للملف الدارسي من مدير المدرسة ,, أوقفنا سيارة أجرة أخرى وأنطلقنا من خلالها لمدرسة للمرحلة المتوسطه لتسجيلي بها .

بعد وصلونا لتلك المدرسه ,, وفي غرفة مدير المدرسه كان صديقي احمد يستجدي مدير المدرسة وذلك لأن يتغاضى عن تأخري في النقل الى مدرستهم بعد مضي اسبوع كامل على بدء الدراسه .
بعد محاولات مضنيه من احمد ,, وافق مدير المدرسه على تسجيلي وأخبرني بأنه من الغد يمكني أن أبدء الدراسه في المدرسه ,, وقام بعدها باعطائي لكتب الصف الثاني متوسط ,, شكرته كثيراُ أنا وصديقي احمد على لطفه وتعاونه معنا .

قام احمد بعدها بأخذي الى احدى الاسواق الشعبيه في مدينة جده والتي تشتهر برخص الأسعار ,, وقام بشراء حقيبة وأقلام ودفاتر وبعض مستلزمات الدراسه .

عدنا بعدها للحي والسعادة بما حدث تغمرني والفخر بصداقة أحمد الذي يكبرني بخمسة أعوام يتملكني .
كنت ارى في أحمد أخي الذي لم تلده أمي ,, وأرى فيه أيضاُ أبي والذي شاءت الأقدار أن يغادر هذه الدنيا ويتركني أوجاهه قساوتها وصعوبتها .

أوصلني أحمد للمنزل وودعني وطلب مني أن التقيه بعد صلاة العصر في داخل المسجد القريب من المكان الذي يبيع فيه بضاعته ,, وذهب بعدها ليقوم بتعويض ما فاته من بيع لبضاعته .
بعد دخولي للمنزل أخبرت جدتي ما حدث معي ذلك الصباح ,, لم تتمالك نفسها ذلك الوقت وقامت بالبكاء من شدة الفرح لأنني سوف أكمل دراستي ,, وقامت بعدها بالدعاء لأحمد كثيراًُ .

بعد صلاة العصر كنت متواجداُ خارج المسجد بأنتظار احمد ,, وما ان خرج احمد من المسجد حتى سألني عن ما اذا كنت صليت صلاة العصر ,, فأخبرته بأني لم أصليها ,, فقام بعدها بتوبيخي بشكل قاسي على عدم أدائي لكامل الصلوات .
ذهبت وتوضأت وأديت صلاة العصر ,, وتوجهت بعد ذلك لصديقي احمد والذي تحدث معي ذلك اليوم عن أهمية أداء الفروض وطاعة الله ورسوله .
كان توبيخه القاسي لي يزيديني محبة له بعد الله الذي رزقني بهذا الصديق الصالح .

وفي ذلك اليوم علمني أحمد كيفية البيع والحصول على البضاعة من أصحاب المزارع وكيف يقومون ببيعها وتقاسم الأرباح مع اصحاب المزارع ,, وكان أكثر ما كان ينبهني عنه هو أمانتي مع الزبائن وعدم السماح للجشع والطمع بأن يتسللا الى قلبي ,, ومخبرني أيضاً بأن أبرك الحلال أقله .

سارت الأيام بعدها بشكل جميل وسلس ,, في الصباح اتواجد امام المدرسين وفي الظهر أتواجد أمام جدتي وآخذ قسطاً من الراحه وفي العصر أتواجد أمام الزبائن بجوار أحمد ,, وفي المساء اتواجد امام الكتب والدفاتر ,, ويوم الجمعه كان احمد يعفيني من العمل ويسمح لي بقضاء الوقت بلعب كرة القدم مع صديقي السابق مازن .

أكثر ما حز في خاطري تلك الأيام هو علمي بأن أحمد ليس له عائله ,, وأنه كان مرمياُ في احد السنوات أمام احد المساجد ,, وأنه عاش وتربى في الشوارع اخر سنوات حياته ,, بعد أن قضى أول سنوات حياته في دار للأيتام وأستطاع الفرار بعدها من ذلك الدار .

مرت خمس شهور بسرعه ,, حتى أتى ذلك اليوم التي تواجدت فيه والدتي برفقة زوجها في منزل جدتي ,, تخبرني بأنني سوف أعيش معهم في العاصمه من الآن ولاحقاً ,, وسط دموع كانت تتساقط من عينا جدتي ولم أكن اعلم سبب هطولها .
هل جدتي سعيدة لأنني سوف أعيش عيشة كريمه مع والدتي في العاصمه !! ,, أما هل جدتي حزينه لأنها سوف تفارقني وتعيش لوحدها في ما تبقى لها من عمر ؟؟

أحسست حينها بأن أقرب الأحتمالات هو الأحتمال الثاني ,,
لذا قمت بأخبار والدتي بأنني لن أدع جدتي وحيده بعد اليوم ,, وطلبت منها المغادرة بدوني وسط سعادة تجلت على محيا زوجها الجديد .

غضبت والدتي كثيراُ وقالت ((
يعني أنت تبي تعصي أوامري ,, أنت ما تدري أن هذا عقوق ؟؟ ))

لم أتمالك نفسي حينها وغاادرت المنزل ,, ولكن دعوني أخبركم ما قلته لها قبل مغادرتي للمنزل ((
أنتي آخر شخص بالدنيا يتكلم عن عقوق الوالدين ))

عادت بعدها والدتي سعاد الى العاصمه برفقة زوجها وهي خالية اليدين ,, فيدها لم تكن تمسك بيدي في العاصمه كما كانت تخطط .

مرت الأيام والشهور بعد اخر زيارة لوالدتي ,, وأستطعت النجاح والأنتقال للصف الثالث متوسط وأنا متفوق على جميع زملائي في الصف ومحرزاُ الترتيب الأول على الجميع .

في بداية العام الثاني لعيشي مع جدتي ,, بدأت تتدهور حالتها الصحيه ,, وأصبحت مؤخراُ كثير التردد للمستشفيات لعلاجها برفقة صديقي السابق و الذي أصبحت أعتبره أخي الأكبر أحمد والذي كان يتكفل بجميع المصاريف .

كان جل ما تتحدث به جدتي في تلك الأيام بأن أيامها في هذه الحياه أصبحت معدودة ,, لذلك طلبت من أحمد أن يقوم بالعيش معنا في المنزل بدلاُ من العيش بمفردة .

وفعلاُ قام أحمد بالأنتقال لمنزلنا والعيش معنا ,, وهذا الأمر بقدر ما كان يسعدني ويسعد جدتي ,, كان يغضب موسى وشقيقه ممدوح ,, والذين عادوا لصنع المشاكل وسوف تعرفون خلال الأسطر القادمه مقدار حقارتهم وخبثهم .

مؤخراُ أصبحت لا استطيع الذهاب الى أخي أحمد ومساعدته في البيع ,, وذلك بسبب بقائي الى جوار جدتي المتعبه جداُ .

في أحد الأيام سمعت طرق لباب المنزل ,, ذهبت بأتجاه الباب وبعد فتحي له وجدت صديقي مازن يقف امام الباب وهو مرتبك وكأنه يحمل في داخله كلام فيه الكثير من الألم .
سألته مالذي جرى ولما يبدو شاحب اللون ,,
فأخبرني بعد تردد أن الشرطه قامت بالقبض على احمد وأودعته دار الملاحظه الأجتماعيه وذلك بعد أتهامه بالأعتداء الجنسي على ممدوح شقيق موسى !!
لم أكن أتخيل حينها أن يكون عند موسى وشقيقه ذلك القدر من اللؤم والأنحطاط ,, وقمت بعدها بكل حماقه بأخبار جدتي بما حدث والذي أتعبها ذلك كثيراُ ولم تتوقف دموعها عن الهطول ذلك المساء لدرجة أني شعرت أن أحمد أحد أبنائها الذين أنجبتهم .

ذهبت الى دار الملاحظة الأجتماعيه ,, ولكن لم أستطع التوصل لأي حل أو الالتقاء بأخي أحمد ,, عدت حينها والدموع على خدي بأتجاه منزل جدتي .

ولأن المصائب لا تأتي فرادا ,, أكتشفت بعد عودتي في ذلك المساء أن جدتي فارقت الحياه .

حزنت في ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى في حياتي ,, بكيت كثيراُ لدرجة أنني كدت أتعرض للأغماء أكثر من مرة في اليوم الذي شاهدت التراب يغطي جسد جدتي الطاهر .

عند عودتي الى منزل جدتي بعد أنتهائنا من دفن جثمان جدتي بعد صلاة الظهر ,, كنت أفكر عن كيفية الدخول الى دار الملاحظة الأجتماعيه والبقاء بجانب أخي أحمد والأبتعاد عن ذلك المجمتع الذي لطالما كرهته .

فكرت أن أقوم بالسرقة وأقوم بعدها بتسليم نفسي ,, فتذكرت نصائح أحمد بأن ألتزم الأدب وأن أبتعد عن مضايقة الناس وظلمهم .

في أثناء تفكيري وقبيل وصولي للمنزل شاءت الأقدار أن التقي بممدوح على طارقة الطريق ,, شاهدته يبتسم وشاهدني أبكي ,, أقترب مني ومد يده لي وسط لحظة غضب عارم مني وكان وقتها كأنه يريد مواساتي في وفاة جدتي .




ما أن هممت بمصافحة يد ممدوح حتى تهيأ لي بأنه قال ((
مبروك وفاة جدتك ))
رفعت بعدها يدي التي كانت تهم بمصافحة يده ووجهتها الى محياه لتصافح محياه البشع والكريه .
قمت بعدها بتلقينه درساًُ لم ينساه الى هذه اللحظه ,, قمت بكسر أنفه وتكسير ثنايا أسنانه ,, وتوجيه اللكمات الى كل مكان في محياه حتى سال الدم من جسده العفن ولطش يدي النظيفه بدمائه الملوثه ,, شاهدت حينها شقيقه موسى يقوم بالعدو بإتجاهي ,, نهضت حينها وأنا أبتسم وأضحك في محاولة مني لقهره أكثر وأكثر ,, وبصقت في محيا شقيقه ,, وهمتت بعدها بالفرار منه بأتجاه منزل جدتي رحمة الله عليها .

دخلت المنزل وأقفلت الباب خلفي ,, وأنا أسمع وقتها كلمات من فاه موسى القذر تجاهي ,, وركلات غاضبه من قدم موسى تجاه باب المنزل الفولاذي .

في داخل المنزل تفاجأت بوجود والدتي ,, والتي كانت تبكي وقامت بأخذي الى حضنها وحاولت مواساتي على ما حدث ,, وأخبرتني بأنها نادمه أشد الندم على معاملتها القاسية لجدتي رحمة الله عليها .
ثم طلبت مني بأن أقوم بتجهيز ملابسي لأنها ستقوم بأخذي للعيش معها في مدينة الرياض .
رفضت ذلك الأمر ,, وسط محاولات منها لمنعي ولكنني أخبرتها بأنني لن أغادر معها مهما حدث .


سمعت أثناء ذلك النقاش الذي كان يدور بيني وبين والدتي أذان العصر ,, هممت عندها للخروج لأداء الصلاة ,, وأثناء سيري للمسجد لم أشعر الا وتلك السيارة التي وقفت بالقرب مني وارتجل منها ثلاثة اشخاص أحدهم موسى شقيق ممدوح وقاموا با إدخالي لداخل السيارة رغماً عني ,, وسط محاولات بائسه مني للهرب منهم تكللت بالفشل .

في تلك المنطقه المهجورة كان موسى يخطط لأشنع شيء ممكن أن يحدث لي الا وهو أنتهاك شرفي كرد لثأر أخيه ممدوح .

أخبرته بأنه يمكنه أخذ ثأره مني بنفس الطريقه التي فعلتها بشقيقه ممدوح ,, ولكنه رفض ذلك وأصر على اخذ ثأره بطريقته الخاصه .

وللأسف نجح في ذلك بمساعدة رفقائه ,, وسط توسلات مني وبكاء بأن يتركني في حال سبيلي .
عدت للمنزل بعد سير قارب الأربع ساعات وسط أنهزاميه وكراهيه لم يسبق لها مثيل تجاه هذا حظي البائس والحقير والذي أوقعني في هذه الظروف الأكثر من سيئه .


سألتني والدتي عن سبب بكائي ولكنني لم أنطق حرفاًُ ذلك المساء .

في صباح اليوم التالي سمعت صوت طرقات على باب المنزل ,, ولم أذهب لفتحه لأنني كنت كارهاُ لكل شيء قد يحدث ,, منها أنني كرهت مقابلة الشخص الذي كان يطرق الباب والذي هو اخي احمد والذي أخبرني بعد قيام والدتي بفتح الباب له أنه خرج بعد ثبوت برائته وأن ممدوح سوف يقوم بالدخول لدار الملاحظه هذا اليوم وذلك للتحقيق معه في أتهامه الزائف لي .
لاحظ أحمد بأنني لم أستقبله كما يجب ,, وسأل عن جدتي ,, فأخبرته بأنها غادرت الحياه قبل يومين وفي اليوم الذي شهد دخوله للدار الملاحظة الأجتماعيه للتحقيق معه .

بكى أحمد كثيراُ ذلك الصباح ,, ثم قام بسؤالي ,, عن أذا ما كان هنالك شيئاُ آخر أود الحديث عنه ,, فأخبرته بأنه لا يوجد شيء يستحق الحديث عنه .

لم يصدق أحمد ما أخبرته أياه ,, فألح علي بالسؤال , الى أن قامت دموعي بالهطول ولم أشعر الا أن أخبرته بما فعله موسى شقيق ممدوح لي مساء الأمس .

لم يتمالك أحمد أعصابه ,, وسار بأتجاه المطبخ ,, وحمل سكيناً وخرج بعدها من المنزل والدموع تتساقط على محياه المفجوع .
ذهبت أركض خلفه لتهدئته ولكن جميع محاولاتي باءت بالفشل ,, وذهب بأتجاه منزل موسى وطرق باب منزله بقوه , حتى خرج موسى غاضباً من تلك الطرقات القوية ,, ولكنه لم يكمل ردة فعله الغاضبه لأنه تلقى طعنه ثبتت السكين في معدته من يد أحمد اليمنى ,, والذي طلب مني بعدها بأن أغادر هذه المنطقه مع والدتي وفر هارباً .


اليوم هو اليوم الرابع بعد ماحدث أمام منزل موسى .

أحمد :
تم قيده في دار الملاحظة الأجتماعيه بعد الأمساك به بتهمة الطعن المتعمد لموسى , وسوف يقضي عقوبته المقدره بخمسة أعوام منها عام في دار الملاحظة الأجتماعيه وأربعة أعوام في دارالسجن العام وذلك لأنه سوف يتجاوز العشرين عاماًُ وهو السن القانوني لنقله من دار الملاحظة الاجتماعيه للسجن العام .

موسى :
خرج من المستشفى ويتلقى علاجه في المنزل بعد تخطيه للمرحلة الحرجه والتي كاد أن يفقد فيها حياته.

ممدوح :
تم قيده في دار الملاحظة الأجتماعيه للتحقيق معه في تهمته الزائفه لأحمد بالأعتداء عليه .

أنا : مازلت أخبر والدتي بأنني لن أذهب الى العاصمة طالما صديقي وأخي أحمد في دار الملاحظة الأجتماعيه .


لأول مرة تقوم والدتي بعمل شيء جميل ورائع في حياتها , وذلك بعد ذهابها لأسرة موسى وممدوح وطلبها منهم بأن يقوموا بالتنازل عن أحمد بسبب طعنه أبنهم موسى والذي سوف يقوم بدوره بالتنازل عن أبنهم ممدوح .

ولأن الأبناء ورثوا الخبث والحقارة من والدهم ,, لم يكن بمستغرب أن يوافق والدهم على طلب والدتي بأن يتنازلوا عن احمد ويخرجوه من السجن مقابل أن يتنازل أحمد عن قضيته على ممدوح هذا أولاًُ , وثانياًُ بأن تقوم والدتي بالتنازل عن منزل جدتي لصالحهم .

رفضت والدتي مطلبهم ,, ولكنني أخبرتها بأنني سوف أرافقها للعاصمة بشرط وحيد الا وهو أن خروج أحمد من دار الملاحظة الأجتماعيه ,, رضخت عندها والدتي لمطلبي وتنازلت عن المنزل لصالح والد موسى وممدوح .

لم أبتسم من يوم دفن جثة جدتي رحمة الله عليها ,, وما صاحب ذلك اليوم من احداث ,, الا ذالك اليوم الذي شاهدت السعادة تغمر صديقي واخي العزيز احمد عند زيارتي له في دار الملاحظة الأجتماعيه بعد أخباري له بأنه سوف يخرج بعد شهرين من الآن بعد تنازل والد موسى وممدوح عنه بعد أن يقوم بالتنازل عنهم .

أعذرني يا أخي أحمد لأنني لم أخبرك بأن شرط والد موسى وممدوح هو التنازل عن منزل جدتي لصالحهم مقابل الأفراج عنك ,, لأنني أعلم أن ذلك الأمر سيغضبك كثيراً .
أعذرني يا أخي ,, وسنلقتي يوماًُ ما بأذن الله أذا سنحت لي الظروف .


دعوني أختم لكم قصتي الذي بدأ القبطان زيدان بكتابتها ,, وذلك لأن الطائرة التي تقلني أنا ووالدتي بأتجاه العاصمه ستكون على وشك الهبوط بعد لحظات .

دعواتكم أن تكون أيامي المقبله بالعاصمة جميلة وكفيلة بأن تنسيني مرارة ما حدث لي في جدة من أحداث صعبة النسيان .





فتكم بعافيه وردة حمراءوردة حمراء


واسف على الأطاله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقييمك للمدونة ؟؟