السبت، 15 مايو 2010

(( لينا وناجي وسنوات الضياع ))

(( لينا وناجي وسنوات الضياع ))
ضمن سلسلة مواضيع رافعيات الجمعه ,,,




في أحد الأيام , وقبيل أنتهاء فترة عملي بنصف ساعه , كنت الملم أشيائي من على طاولة المكتب ناوياً الهروب قبل موعد الانصراف الرسمي , أذ بي أرى صديقي اللبناني مسؤول قسم الصيانة في الشركة التي أعمل لصالحها يناديني من خلف باب المكتب , تمتمت في نفسي قائلاً ((ياااالله وش يبي ذا النشبه , جاي على نهاية الدوام أكيد يبي يأخرني عن النحشه ))
ذهبت إليه وبادرته قائلاًُ : هلا باتريك , وش عندك ؟؟ أذا تبي شيئ تعال بكرة الحين أنا ماشي للبيت ؟؟
أبتسم باتريك قائلاً : ولو خيو عقيل, بدي منك خدمة زغييره << صغيرة , وماإلها علاقه بالشغل هون ؟؟
أنا : عسى ماشر وش بغيت ؟؟
باتريك : أخدت سيارتي اليوم للوكالة فيها مشكلة وماراح تخلص الا بكره , واليوم موعد وصول بنتي للمطار وبدي منك توصلني للمطار وأنت عارف أنوه من المستحيل أني لاقي تاكسي هون بهالمنطقه .
أنا (( مخفي علامات الغضب والقهر )) : بس كذا يا باتريك ؟؟ أبشر أوصلك للمطار وبأسرع وقت ممكن , بس من الحين بعطيك خبر ترا أنا على طريق المطار أحب أسرع ,, يعني لا تزعجني هدي السرعه خيو ومن هالحكي
باتريك : شو بدي أعمل مجبور أوافق على اللي بدتك تعمله .


ركبت السيارة أنا وصديقي باتريك , سألته في البداية عن عمر أبنته التي سوف نكون في أستقبالها << مشكلة اللي مشتهي الزواج حتى لو من مسيحيه وصار الزواج شاغل كل تفكيره , فأخبرني بأن عمرها 12 سنه << خرب المخطط اللي كان براسي لأن يبيلي أصبر ست سنوات على الأقل حتى تكون وصلت لمرحلة النضج اللي ممكن تقرر فيها الأرتباط بأي شخص تريده

سألته مرة أخرى عن جهة قدوم أبنته وكيف سمح لأبنته أن تصعد الطائرة لوحدها في هذا السن الصغير , فأجابني بأن أبنته قادمة من باريس وأنها ليست لوحدها لأنها غادرت مع رحلة مدرسية برفقة معلمات يشرفن عليهم هي وزميلاتها وزملائها الطلاب .

تملكني الغضب حينها لأنني أحسست بأنه يحاول الأستظراف علي شخصي الكريم فقلت له : والمطلوب الحين ؟؟ تبيني أضحك يعني ؟؟
باتريك ( مستغرباُ ) : لا خيو لا بدياك تضحك ولا شيئ أنت سألتني سؤال وأعطيتك الجواب .
أنا : من جدك يا باتريك بنتك اللي عمرها 12 سنه رايحه لفرنسا برحلة مدرسيه ؟؟ والمشكلة رايحه لحالها ؟؟ ما تخاف عليها ؟؟
باتريك (( مبتسماًُ )) : أيوه خيوو عن جد بحكي معك , وهاي تاني مره تروح لرحلة مدرسيه , قبل سنتين أخذوهم المدرسه لسويسرا لمدة أسبوعين , وبالنسبة للخوف أنا واثق بأن المشرفين على الرحله ماخذين بالهم كويس من طلاب الرحله
أنا ((ومازالت الحيرة ترافقني داخل مخيلتي الصغيره )) : طيب كم مدة هالرحله , وأيش اللي ممكن تستفيده بنتك من هالرحله ؟
باتريك : بنتي صارلها 14 يوم في فرنسا , وبالنسبة للفوائد راح نعرفها لما توصل بالسلامة .


أجتاحني حب الفضول لمعرفة خبايا اكثر عن هذه الرحلات المدرسيه التي لأول مره أعلم بوجودها , أرتمت أقدامي بكل قوة على دواسة البنزين محاولاُ الوصول للمطار بأسرع وقت ممكن

وصلنا المطار , وعند أنتظار الرحلات القادمه من الخارج كنت متواجد بجانب صديقي باتريك , بعد أنتظار قارب الساعه والنصف وصلت الرحلة المدرسيه , والتي كان من بين طاقهما لينا أبنة باتريك .
بشوق الأبوه أحتضن باتريك أبنته والدموع تقف على شباك عينيه , بعد ذلك المشهد غادرني التفكير الذي كان ملازمني ويحمل في داخله بأن هذه النوعيه من هؤلاء الأباء والأمهات ليس لديهم ذلك الحب الذي يوجد لدى أبائنا وأمهاتنا أطال الله في أعمارهم ورحم الموتى منهم

في داخل السيارة وبلغتي الفرنسية (( المكسره والبائسه )) حاولت بتلك اللغه أن أقوم بأختبار لغة لينا , فدار بيننا الحوار التالي :
أنا : كوموا سافا ؟؟ << يعني كيف الحال ؟ <<< مسوي فيها وقتها أني أنا الولد اللي رابي في شوارع مونبيليه
لينا (( بأبتسامه تنم عن أستغراب من هذا الشاب السعودي الذي يتحدث الفرنسيه )) : سافا بيان , أيتوا ؟؟ << يعني أنا بخير و أنت ؟؟
أنا : سافا .
أنا مرة أخرى : كوموا تو تابييل ؟ << ماهو أسمك ؟؟
لينا : جو مابييل لينا , ايتوا ؟؟ << أنا أسمي لينا ؟ وأنت ؟
أنا : عقيل.
ثم أبتسمت وقالت لوالدها (( بابا عم يحكي فرنسي , أول مرة أشوف شب سعودي عم يحكي فرنسي )) <<< أبوك يالأحراج

ثم قالت : عموه عقيل كيف تعلمت الفرنسي ,, أنت دارس بفرنسا شيئ ؟؟
أنا (( وملامح الهياط تكتسي محياي )) : لا والله ما درست بفرنسا , ولكن تعلمتها من أبوك ومن أصحابنا في العمل .


بعد ذلك قال باتريك لأبنته : بدك تخبريني هلا شو أستفديتي من هالرحله ؟ بس بدي تخبريني بالفرنسيه مو بالانجليزي ولا بالعربي

كميات كبيرة من الحقد كانت بداخلي تجاه باتريك الأناني , لماذا طلب من أبنته أن تخبره بالفائده باللغه الفرنسيه التي لست ضليعاً فيها حتى أفهم ما ستقوله أبنته

تحدثت الفتاة بلهفه كبيرة , وكان والدها منصت لما تقوله والأبتسامه والتفاؤل والثقه رفقائه في ذلك الوقت , وكان بين حين وآخر يقاطع أبنتها ويوجه لها أستفساراُ أو سؤالأ عابراً أو تعليقاً بسيطاً .

بعد أنتهاء أبنته من الحديث , طلبت من صديقي باتريك يقوم بترجمة ما قالت له أبنته .

ضحك باتريك كثيراُ ثم قال : شو يا خيي ؟؟ أنته قبل شوي كنت بتحكي فرنسي , هلا صرت ما بتعرف فرنسي , خلاص ولا تزعل راح خلي لينا تخبرك شو عملوا بالأنجلش ؟



أنا بأستغراب شديد : بنتك تعرف أنجلش بعد ؟؟
لينا : ولووو عموو عقيل , أنا بحكي فرنسي وأنجليزي , وراح خبرك شو عملنا بالأنجليزي

أنطلقت لينا تخبرني ماذا فعلوا في تلك الرحله , أخبرتني بأنهم في الأسبوع الأول من الرحله قاموا بالعمل في متحف في مدينة باريس وقاموا بتخصيص جزء من المتحف لكل طالب وطالبه للحديث عنه عند زوار ذلك المتحف , وفي الأسبوع الثاني قاموا بعمل زيارات لبعض الكنائس والمصانع والأماكن التاريخيه في فرنسا مثل برج أيفل .

في أثناء حديث لينا عادت بي الذاكره 13 سنه للوراء عندما قامت المدرسه المتوسطه التي كنت أحد طلابها بعمل رحله للمدينه الصناعيه الثانيه بالدمام ولأحدى مصانع التي تهتم بأنتاج الحليب ومشتقاته .
تذكرت الحافلة المهترئه التي أوصلتنا للمصنع , مقاعد يملئها الغبار وأغلبها تالف , في وقت الظهيرة وفي أشد أوقات حرارة الصيف ومكيف الحافله خارج الخدمه , خرج برفقتنا مدرسين أحدهم كان يدخن طوال الطريق والآخر يقراء أحد الجرائد الرياضيه

تلك الرحله كانت مخصصه للطلاب المتوفقين فقط بالمدرسة , ولذلك توقعوا أننا سوف نمثل المدرسه خير تمثيل

لا أنسى كيف كنا مبعثرين , كل ثلاثة طلاب يسيرون لوحدهم دون مرشد , هنالك من يقوم منهم بالضحك على عمال المصنع من الجاليه الهنديه وكيف يعمل في هذا الحر وتحت هذه الآآت الجباره , وهنالك من كان يقوم (( بسرقة بعض علب الحليب )) , وهنالك من كان يدخن خارج المصنع << ما أقصد مدرس العلوم اللي تضايق من الوضع وراح يدخن بالخارج وكأنه مجبور على تلك الرحله

في نهاية رحلتنا ذلك اليوم سألنا أحد المسؤولين في ذلك المصنع بعض الأسئله يريد أن يتأكد أن شرحه عن طريقة العمل في المصنع لم يذهب أدراج الرياح , ولكنه كان كذلك للآسف ولم نقم بالأجابه الا على سؤال واحد فقط من بين أسئلته المتعدده

قبيل مغادرتنا للمصنع قام المسؤول عن المصنع بأعطاء كل طالب منا عبوتين حليب , وبعد صعودنا للحافلة , تفاجأ الجميع ببكاء أحد الزملاء وكان يدعى (( ناجي )) , ذهب اليه مدرس العلوم (( والسيجاره لاتفارق يده )) وسأله عن سبب بكائه , فأخبره ناجي بأنه قام بأخذ كرتون حليب من المصنع أسوة بأبن جاره المتسلط نبيل والذي رفض يقتسم معه ما قاموا بسلبه من ثلاجة المصنع

أستشاط المدرس غضباً , وقام بسحب كراتين الحليب التي كان يخبئها ناجي ونبيل تحت مقاعد الحافلة ووبخهم على فعلتهم تلك , وبعد وصولنا للمدرسة شاهدنا مدرس العلوم يقوم بتقاسم كراتين الحليب مع مدرس الرياضيات .
أبتسمت وأنا أتذكر مدير المدرسه وهو يوبخنا ويخبرنا بأنه كان يخبئ لنا مفاجأه وهي رحلة لمعرض أرامكو ولكنه ألغاء تلك الرحله بعد ما قام بفعله ناجي ونبيل في مصنع الحليب << للحين أبكي لما أتذكر أنه حرمنا من رحلة العمر لمعرض أرمكو مايدري أني حافظه أكثر من بيتنا

قطع باتريك حبل تفكيري بسؤاله لي : هاه يا عقيل شو رأيك برحلة لينا ؟؟
أنا : حلوه ولكن ماهي أحلى من رحلة مصنع الحليب مع ناجي ونبيل ومدرس مادة التدخين عفواً مادة العلوم



(( زبدة الحكي ))

أنا مازالت عند رائيي بأنه من الخطاء أرسال فتاة في تلك السن الى دولة في قارة أخرى ولمدة تعدت الأسبوعين , حتى وأن حاول وما زال يحاول باتريك بأقناعي بذلك الأمر.
لو كانت الرحله تشابه رحلة أحد أبناء أصدقائنا في العمل الذي يبلغ من العمر 15 عام , عندما رتبت مدرستهم رحلة للصين لمدة 21 يوم وعملوا في أحدى مصانع الأجهزة الألكترونيه وتعلموا كيف تصنع بعض الأجهزة لكنت من أشد المؤيديين لتلك الرحلات .


وما زالت عند رأئيي بأن التعليم لدينا هو أن يعرف الطالب القراءه والكتابه وبعض المعلومات في دينه وبعض المعلومات البسيطه في دنياه , وأكبر مثال أنا أحد الطلاب الذين نسوا 90% من المعلومات التي درسها على مدار 12 عام

هل يقارن التعليم لدينا ببعض الدول الأخرى وتحديداً بلبنان أو مصر أو الأمارات مثلاً ؟

قمة التحطيم عندما ترى طفل أو طفله تحمل جنسيه عربيه ومن مواليد بلدنا العزيز وعمره لم يتعدى حاجز ال14 عام ويتقن الحديث بثلاث لغات أو لغتين على الأقل , بينما تشاهد خريجوا كلية المعلمين عندنا مثلاًُ بعضهم لو سألته بالأنجليزي عن الوقت سيجهل الأجابه على سؤالك البسيط

صادق هو صديقي باتريك عندما أخبرني بأن مسألة تعليم الأبن تقع بالكامل على والديه فقط , ولذلك أتمنى منكم أن تركزوا على مستوى تعليم أبنائكم أن يكون من أفضل المستويات حتى لا يقوموا بتحميلكم كافة المسؤوليه مستقبلاً

متى سنرى اللغه الأنجليزيه تدرس في مدارسنا منذ الصف الأول أبتدائي ؟؟

أنظروا للتعليم في الخارج , أبنائهم يعشقون الدراسه وكأنها أحدى مقومات السعاده لديهم لأنهم يجدون في المدرسة التعبير عن مواهبهم وأكتشاف وتعلم الجديد , بينما لدينا لا يجدون سوا الهذره مع زملائهم وتعلم الكثير من العادات السيئه والقليل جداً من العادات الحميده

في الخارج تكون ساعات اللعب أكثر وساعات التعلم قليله , ولكن بعودة أبنائهم لمنازلهم تجدهم نسوا ساعات اللعب ورسخت في عقولهم تلك المعلومات المعقده والتي وصلت اليهم بأسهل وأجمل الأساليب النظريه والعلميه .
لدينا تكون ساعات التعلم أكثر ودقائق الراحه واللعب قليله , ولكن بعودة أبنائنا لمنازلهم تجدهم نسوا أو تناسوا تلك المعلومات البسيطه والتي وصلت لعقولهم بأصعب وأعقد الأساليب , بينما رسخت في عقولهم حركة تعلموها في حصة الرياضه من أحد الزملاء الموهوبين

تدرون وش يمدحون ؟؟

يمدحون الواحد اللي يدرس عياله في المدارس العالميه مع أبناء الأجانب , خلهم يتعلمون اللغه الأنجليزيه ويتقنونها منذ الصغر , وفي مرحلة المراهقه وبعد تشبعهم للغه الأنجليزيه يمدحون نقلهم لأحد المدارس الحكوميه علشان يلحقون ما فاتهم من بعض المواد وأهمها مادة الوطنيه و الجيولوجيا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقييمك للمدونة ؟؟